أحصى أفعال أبي بكر حتى علم أنه لم يفعل ذلك بأحد من معاشريه وخواصه وأهل بيته؟ وبعد تسليم أنه لم يقدم قط على جرح الابشار ونتف الاشعار، نقول:
إذا بلغ الطيش والحدة في الشدة إلى حد يخاف صاحبه على نفسه الوثوب على الناس فلا يشك في أنه يصدر عنه عند الغضب من الشتم والبذاء وأصناف الأذى قولا وفعلا ما يخرجه عن حد العدالة المشترطة في الإمامة، ولو قصر الغضب عن القيام بما يخل بالعدالة - ولو بالاصرار على ما كان من هذا النوع من قبيل الصغائر - لم يعبر عنه بهذا النوع من الكلام.
وبالجملة، حمل كلام أبي بكر على المبالغة لا ينفعهم ولا يضرنا، وكذا التمسك بقولهم: لا تدن من الأسد.. لا ينفعهم، إذ لا يقال ذلك إلا إذا جرت عادته بأكل من دنى منه، فكذلك لا موقع لكلام أبي بكر ما لم تجر عادته بأن يؤثر غضبه في أشعار الناس وأبشارهم، أو يؤذيهم بالشتم والبذاء.. ونحو ذلك مما كنى عنه بقوله: لا أوثر في أشعاركم وأبشاركم، ومثل هذا الطيش والحدة لا ريب في كونه مخرجا عن العدالة، قادحا في صلوح صاحبه للإمامة، فخروج الكلام مخرج الاشفاق والحذر - على هذا الوجه - لا ينفع في دفع الطعن.
وأما ما أشار (1) إليه - تبعا للقاضي - من منع صحة الخبر في استقالة أبي بكر فمما لا وقع له، لاستفاضة الخبر واشتهاره في كل عصر وزمان، وكونه مسلما عند كثير من أهل الخلاف، ولذا لم يمنع الرازي في نهاية العقول (2) صحته مع ما علم من حاله من كثرة التشكيك والاهتمام بإيراد الأجوبة العديدة، وإن كانت سخيفة ضعيفة.
وقد رواه أبو عبيد القاسم بن سلام - على ما حكاه بعض الثقات من الأصحاب -.