إليه، وليس لاحد أن يقول هذا - إن سلم لكم في جميع الآيات - لم يسلم لكم في قوله تعالى (1): * (فأزلهما الشيطان) * (2) لأنه قد خبر عن تأثير غوايته ووسوسته بما كان منهما من الفعل، وذلك لان المعنى الصحيح في هذه الآية أن آدم وحواء كانا مندوبين إلى اجتناب الشجرة وترك التناول منها، ولم يكن ذلك عليهما واجبا لازما، لان الأنبياء عليهم السلام لا يخلون بالواجب، فوسوس لهما الشيطان حتى تناولا من الشجرة فتركا مندوبا إليه، وحرما بذلك أنفسهما الثواب وسماه (3): إزلالا، لأنه حط لهما عن درجة الثواب، وفعل الأفضل.
وقوله تعالى في موضع آخر: * (وعصى ادم ربه فغوى) * (4) لا ينافي هذا المعنى، لان المعصية قد يسمى بها من أخل بالواجب والندب، وقوله: فغوى..
أي خاب من حيث لم يستحق الثواب على ما ندب إليه، على أن صاحب المغني (5) يقول: إن هذه المعصية من آدم كانت صغيرة لا يستحق بها عقابا ولا ذما، فعلى مذهبه - أيضا - يكون (6) المفارقة بينه وبين أبي بكر ظاهرة، لان أبا بكر خبر عن نفسه أن الشيطان يعتريه حتى يؤثر في الاشعار والابشار، ويأتي ما يستحق به التقويم، فأين هذا من ذنب صغير لا ذم و (7) لا عقاب عليه؟. وهو يجري من وجه من الوجوه مجرى المباح، لأنه لا يؤثر في أحوال فاعله وحط رتبته، وليس يجوز أن يكون ذلك منه على سبيل الخشية والاشفاق على ما ظن، لان مفهوم خطابة يقتضي خلاف ذلك، ألا ترى أنه قال: إن لي شيطانا يعتريني، وهذا قول من قد عرف عادته، ولو كان على سبيل الاشفاق والخوف لخرج غير هذا المخرج، ولكان يقول