بحاله أن لا يستحي من أحد، وتمنيه أن يكون الرسول صلى الله عليه وآله بين لهم الخلافة دليل واضح على شكه في خلافة أبي بكر وفي خلافته، كما سبق ما يدل على الشك عن أبي بكر، وما جعله دليلا على اجتهادا أبي بكر - من أن له في المسائل أقوالا مشهورة عند أهل العلم - فأول ما فيه أنه افتراء على أبي بكر، وأين هذه الأقوال المشهورة التي لم يسمعها أحد؟! ومن لم يرو عن النبي صلى الله عليه وآله في مدة البعثة، وقد كان - بزعمهم الفاسد - أول الناس إسلاما، وكان من بطانته وصاحبا له في الغار غير مفارق عنه في الاسفار - إلا مائة واثنين وأربعين حديثا (1)، مع ما وضعه في ميراث الأنبياء لحرمان أهل البيت عليهم السلام ودفنهم حيث يموتون لان يدفن النبي صلى الله عليه وآله في بيت عائشة ويسهل ما أوصى به من دفنه مع الرسول صلى الله عليه وآله وغير ذلك لأغراض أخر، فمبلغ علمه وكثرة أقواله ظاهر لأولي الألباب.
ثم لو سلمت كثرة أقواله فليس مجرد القول دليلا على الاجتهاد والقوة في العلم، ومن تتبع آثارهم وأخبارهم علم أنه ليس فيها ما يدل على دقة النظر وجودة الاستنباط، بل فيها ما يستدل به على دناءة الفطرة وركاكة الفهم، كما لا يخفى على المتتبع.
وأما قطع يسار السارق في المرة الأولى فهو خلاف الاجماع، وقد اعترف به الفخر الرازي في تفسير آية السرقة (2)، ولو كان من غلط الجلاد لا نكره عليه أبو بكر وبحث عن الحال، هل كان عن تعمد من الجلاد فيقاصه بفعله أو على السهو والخطأ فيعمل بمقتضاه؟ وكون القطع في المرة الثالثة خلاف المنقول، ولم يبد هذا الاحتمال أحد غير الفخر الرازي (3) وتبعه المتأخرون عنه.