فإني لا آمن من كذا.. وإني لمشفق منه.
فأما ترك أمير المؤمنين عليه لاسلام مخاصمة الناس (1)، فإنما كان تنزها وتكرما، وأي شبه بين ذلك وبين من صرح وشهد على نفسه بما لا يليق بالأئمة؟!.
وأما خبر استقالة البيعة وتضعيف صاحب المغني (2) له فهو - أبدا - يضعف ما لا يوافقه من غير حجة يعتمدها في تضعيفه.
وقوله: إنه ما استقالها (3) على التحقيق وإنما نبه على أنه لا يبالي بخروج الامر عنه، وإنه غير مكره لهم عليه.. فبعيد عن الصواب (4)، لان ظاهر قوله:
أقيلوني.. أمر بالإقالة، وأقل أحواله أن يكون عرضا لها أو بذلا، وكلا الامرين قبيح. ولو أراد ما ظنه لكان له في غير هذا القول مندوحة (5)، ولكان يقول: إني ما أكرهتكم ولا حملتكم على مبايعتي، وما كنت أبالي أن لا يكون هذا الامر في، ولا إلي، وإن مفارقته لتسرني (6) لولا ما ألزمنيه الدخول فيه من التمسك به، ومتى عدلنا عن ظواهر الكلام (7) بلا دليل جر ذلك علينا ما لا قبل لنا به.
فأما أمير المؤمنين عليه السلام فإنه لم يقل ابن عمر البيعة بعد دخوله فيها، وإنما استعفاه من أن يلزمه البيعة ابتداءا فأعفاه (8)، علما بأن إمامته لا تثبت بمبايعة من يبايعه عليها، فأين هذا من (9) استقالة بيعة قد تقدمت واستقرت، انتهى كلامه رفع الله مقامه.