واستدل المصنف على أنه كان متعبدا بشرع من قبله بما نقل نقلا يقارب التواتر أنه كان بصلي ويحج ويعتمر ويطوف بالبيت ويتجنب الميتة ويذكي ويأكل اللحم ويركب الحمار وهذه أمور لا يدركها العقل فلا مصير إليها إلا من الشرع واستدل آخرون على هذا المذهب أيضا بأن عيسى (عليه السلام) كان مبعوثا إلى جميع المكلفين، والنبي (صلى الله عليه وآله) كان من المكلفين، فيكن عيسى (عليه السلام) مبعوثا إليه.
والجواب: لا نسلم عموم دعوة من تقدمه.
واحتج المخالف بأنه لو كان متعبدا بشرع من قبله لكان مخالطا لأهل تلك الشريعة قضاء للعادة الجارية بذلك أو لزمته المخالطة لأرباب تلك الشريعة بحيث يستفيد منهم الاحكام، ولما كان التالي باطلا إجماعا فكذا المقدم.
والجواب: لا نسلم وجوب المخالطة، لان الشرع المنقول إليه عمن تقدمه إن كان متواترا فلا يحتاج إلى المخالطة والمناظرة، وإن كان آحادا فهو غير مقبول خصوصا مع اعتقاده بأن أهل زمانه (صلى الله عليه وآله) كانوا في غاية الالحاد، سلمنا أنه كان يلزم المخالطة، لكن المخالطة قد لا تحصل لموانع تمنع منها، فيحتمل (1) ترك المخالطة لمن يقاربه من أرباب الشرائع المتقدمة، على تلك الموانع جمعا بين الأدلة انتهى.
وقال المرتضى رضي الله عنه في كتاب الذريعة: هل كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) متعبدا بشرائع من تقدمه من الأنبياء عليهم السلام؟ في هذا الباب مسألتان: إحداهما قبل النبوة، و الأخرى بعدها، وفي المسألة الأولى ثلاثة مذاهب:
أحدها أنه (صلى الله عليه وآله) ما كان متعبدا قطعا، والآخر أنه كان متعبدا قطعا، والثالث التوقف، وهذا هو الصحيح، والذي يدل عليه أن العبادة بالشرائع تابعة لما يعلمه الله تعالى من المصلحة بها في التكليف العقلي، ولا يمتنع أن يعلم الله تعالى أن لا مصلحة للنبي (صلى الله عليه وآله) قبل نبوته في العبادة بشئ من الشرائع، كما أنه غير ممتنع أن يعلم أن له (صلى الله عليه وآله) في ذلك مصلحة، وإذا كان كل واحد من الامرين جائزا ولا دلالة توجب القطع على أحدهما وجب التوقف.