التوراة، وانتظاره فيها نزول الوحي، ولو كان متعبدا بشريعة موسى (عليه السلام) لما جرى ذلك، وأيضا فلو كان الامر على ما قالوه لكان يجب أن يجعل (صلى الله عليه وآله) كتب من تقدمه في الاحكام بمنزلة الأدلة الشرعية، ومعلوم خلافه، وأيضا فقد نبه (صلى الله عليه وآله) في خبر معاذ على الأدلة فلم يذكر في جملتها التوراة والإنجيل، وأيضا فإن كل شريعته مضافة إليه بالاجماع، ولو كان متعبدا بشرع غيره لما جاز ذلك، وأيضا فلا خلاف بين الأمة في أنه (صلى الله عليه وآله) لم يؤد إلينا من أصول الشرائع إلا ما أوحي إليه وحمله، وأيضا فإنه لا خلاف في أن شريعته (صلى الله عليه وآله) ناسخة لكل الشرائع المتقدمة من غير استثناء، فلو كان الامر كما قالوه لما صح هذا الاطلاق، وأيضا فإن شرائع من تقدم مختلفة متضادة فلا يصح كونه متعبدا بكلها فلابد من تخصيص ودليل يقتضيه، فإن ادعوا أنه متعبد بشريعة عيسى (عليه السلام) بأنها ناسخة لشريعة من تقدم فذلك منهم ينقض تعلقهم بتعرفه (صلى الله عليه وآله) من اليهود في التوراة، فأما رجوعه في رجم المحصن إليها فلم يكن لأنه كان متعبدا بذلك، لأنه لو كان الرجوع لهذه العلة لرجع (صلى الله عليه وآله) في غير هذا الحكم إليها، وإنما رجع لأمر آخر، وقد قيل: إن سبب الرجوع أنه (صلى الله عليه وآله) كان خبر بأن حكمه في الرجم يوافق ما في التوراة فرجع إليها تصديقا لخبره، وتحقيقا لقوله (صلى الله عليه وآله) انتهى.
وقال المحقق أبو القاسم الحلي طيب الله رمسه في أصوله: شريعة من قبلنا هل هي حجة في شرعنا؟ قال قوم: نعم ما لم يثبت نسخ ذلك الحكم بعينه. وأنكر الباقون ذلك وهو الحق، لنا وجوه:
الأول: قوله تعالى: " وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى (1) ".
الثاني: لو كان متعبدا بشرع غيره لكان ذلك الغير أفضل، لأنه يكون تابعا لصاحب ذلك الشرع، وذلك باطل بالاتفاق.
الثالث: لو كان متعبدا بشرع غيره لوجب عليه البحث عن ذلك الشرع، لكن ذلك باطل، لأنه لو وجب لفعله، ولو فعله لاشتهر، ولوجب على الصحابة والتابعين بعده والمسلمين إلى يومنا هذا متابعته (صلى الله عليه وآله) على الخوص فيه، ونحن نعلم من الدين خلاف ذلك.