وليس لمن قطع على أنه ما كان متعبدا أن يتعلق بأنه لو كان تعبده (صلى الله عليه وآله) (1) بشئ من الشرائع لكان فيه متبعا لصاحب تلك الشريعة ومقتديا به، وذلك لا يجوز لأنه أفضل الخلق، واتباع الأفضل للمفضول قبيح، وذلك أنه غير ممتنع أن يوجب الله تعالى عليه (صلى الله عليه وآله) بعض ما قامت عليه الحجة به من بعض الشرائع المتقدمة لا على وجه الاقتداء بغيره فيها ولا الاتباع، وليس لمن قطع على أنه (صلى الله عليه وآله) كان متعبدا أن يتعلق بأنه (صلى الله عليه وآله) كان يطوف بالبيت ويحج ويعتمر، ويذكي ويأكل المذكى، ويركب البهائم ويحمل عليها، وذلك أنه لم يثبت عنه (صلى الله عليه وآله) أنه قبل النبوة حج أو اعتمر، ولو ثبت لقطع به على أنه كان متعبدا، وبالتظني لا يثبت مثل ذلك، ولم يثبت أيضا أنه (صلى الله عليه وآله) تولى التذكية بيده، وقد قيل أيضا إنه لو ثبت أنه ذكى بيده لجاز أن يكون من شرع غيره في ذلك الوقت أن يستعين بغيره في الذكاة، فذكى على سبيل المعونة لغيره، وأكل لحم المذكى لا شبهة في أنه غير موقوف على الشرع، لأنه بعد الذكاة قد صار مثل كل مباح من المأكل وركوب البهائم والحمل عليها يحسن عقلا إذا وقع التكفل بما يحتاج إليه من علف وغيره، ولم يثبت أنه (صلى الله عليه وآله) فعل من ذلك ما لا يستباح بالعقل فعله، وليس علمه (صلى الله عليه وآله) بأن غيره نبي بالدليل يقتضي كونه متعبدا بشريعته، بل لابد من أمر زائد على هذا العلم.
فأما المسألة الثانية فالصحيح أنه (صلى الله عليه وآله) ما كان متعبدا بشريعة نبي تقدم، وسندل عليه بعون الله، وذهب كثير من الفقهاء إلى أنه كان متعبدا، ولابد قبل الكلام في هذه المسألة من بيان جواز أن يتعبد الله تعالى نبيا بمثل شريعة النبي الأول، لان ذلك إذا لم يجز سقط الكلام في هذا الوجه من المسألة وقد قيل: إن ذلك يجوز على شرطين:
إما بأن تندرس الأولى فيجددها الثاني، أو بأن يزيد فيها ما لم يكن منها، ويمنعون من جواز ذلك على غير أحد هذين الشرطين، ويدعون أن بعثته على خلاف ما شرطوه تكون عبثا، ولا يجب النظر في معجزته، ولابد من وجوب النظر في المعجزات، وليس الامر على ما قالوه، لان بعثة النبي الثاني لا تكون عبثا، إذا علم الله تعالى أنه يؤمن عندها