بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ١٨ - الصفحة ٢٧٧
بمعنى أطلعه عليه وأمره بحفظه، ولو سلمنا أن المراد شرع لنا ما شرح لنوح (عليه السلام) لاحتمل أن يكون المراد به من الاستدلال بالمعقول على العقائد الدينية، ولو لم يحتمل ذلك لم يبعد أن يتفق الشرعان، ثم لا يكون شرعه حجة علينا من حيث ورد على نبينا (صلى الله عليه وآله) بطريق الوحي، فلا تكون شريعته شريعة لنا باعتبار ورودها عنه.
وعن الآية الرابعة أن المساواة في الوحي لا تستلزم المساواة في الشرع.
وعن الآية الخامسة أن ظاهرها يقتضي اشتراك الأنبياء جميعا في الحكم بها، وذلك غير مراد، لان إبراهيم ونوحا وإدريس وآدم (عليهم السلام) لم يحكموا بها، لتقدمهم على نزولها، فيكون المراد أن الأنبياء يحكمون بصحة ورودها عن الله، وأن فيها نورا وهدى، ولا يلزم أن يكونوا متعبدين بالعمل بها، كما أن كثيرا من آيات القرآن منسوخة، وهي عندنا نور وهدى، وأما رجوعه (صلى الله عليه وآله) في تعرف حد الرجم فلا نسلم أن مراجعته إلى التوراة لتعرفه، بل لم لا يجوز أن يكون ذلك لإقامة الحجة على من أنكر وجوده في التوراة انتهى.
أقول: إنما أوردنا دلائل القول في نفي تعبده (صلى الله عليه وآله) بعد البعثة بشريعة من قبله لاشتراكها مع ما نحن فيه في أكثر الدلائل، فإذا عرفت ذلك فاعلم أن الذي ظهر لي من الأخبار المعتبرة، والآثار المستفيضة هو أنه (صلى الله عليه وآله) كان قبل بعثته مذ أكمل الله عقله في بدو سنه نبيا مؤيدا بروح القدس، يكلمه الملك، ويسمع الصوت، ويرى في المنام، ثم بعد أربعين سنة صار رسولا، وكلمه الملك معاينة، ونزل عليه القرآن، وامر بالتبليغ، و كان يعبد الله قبل ذلك بصنوف العبادات إما موافقا لما أمر به الناس بعد التبليغ وهو أظهر (1)، أو على وجه آخر، إما مطابقا لشريعة إبراهيم (عليه السلام)، أو غيره ممن تقدمه من الأنبياء عليهم السلام لا على وجه كونه تابعا لهم وعاملا بشريعتهم، بل بأن ما أوحي إليه (صلى الله عليه وآله) كان مطابقا لبعض شرائعهم، أو على وجه آخر نسخ بما نزل عليه بعد الارسال، ولا أظن أن يخفى صحة ما ذكرت على ذي فطرة مستقيمة، وفطنة غير سقيمة بعد الإحاطة

(1) لأنه لو كان على وجه آخر لكان يتغير بعد ما امر بتبليغه، ولو كان ذلك لنقل الينا، وحيث لم ينقل صح أن نقول: إنه كان موافقا لما امر به الناس بعد.
(٢٧٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 272 273 274 275 276 277 278 279 280 281 282 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 تعريف الكتاب تعريف الكتاب 1
2 الباب 6: معجزاته في استجابة دعائه في إحياء الموتى والتكلم معهم وشفاء المرضى وغيرها زائدا عما تقدم في باب الجوامع 1
3 الباب 7: وهو من الباب الأول وفيه ما ظهر من إعجازه صلى الله عليه وآله في بركة أعضائه الشريفة وتكثير الطعام والشراب 23
4 الباب 8: معجزاته صلى الله عليه وآله في كفاية شر الأعداء 45
5 الباب 9: معجزاته صلى الله عليه وآله في استيلائه على الجن والشياطين وإيمان بعض الجن 76
6 الباب 10: وهو من الباب الأول في الهواتف من الجن وغيرهم بنبوته صلى الله عليه وآله 91
7 الباب 11: معجزاته في إخباره صلى الله عليه وآله بالمغيبات، وفيه كثير مما يتعلق بباب إعجاز القرآن 105
8 الباب 12: فيما أخبر بوقوعه بعده صلى الله عليه وآله 144
9 * أبواب أحواله صلى الله عليه وآله من البعثة إلى نزول المدينة * الباب 1: المبعث وإظهار الدعوة وما لقي صلى الله عليه وآله من القوم وما جرى بينه وبينهم وجمل أحواله إلى دخول الشعب وفيه إسلام حمزة رضي الله عنه وأحوال كثير من أصحابه وأهل زمانه 148
10 الباب 2: في كيفية صدور الوحي ونزول جبرئيل عليه السلام وعلة احتباس الوحي، وبيان أنه صلى الله عليه وآله هل كان قبل البعثة متعبدا بشريعة أم لا 244
11 الباب 3: إثبات المعراج ومعناه وكيفيته وصفته وما جرى فيه ووصف البراق 282
12 الباب 4: الهجرة إلى الحبشة وذكر بعض أحوال جعفر والنجاشي رحمهما الله 410