بمعنى أطلعه عليه وأمره بحفظه، ولو سلمنا أن المراد شرع لنا ما شرح لنوح (عليه السلام) لاحتمل أن يكون المراد به من الاستدلال بالمعقول على العقائد الدينية، ولو لم يحتمل ذلك لم يبعد أن يتفق الشرعان، ثم لا يكون شرعه حجة علينا من حيث ورد على نبينا (صلى الله عليه وآله) بطريق الوحي، فلا تكون شريعته شريعة لنا باعتبار ورودها عنه.
وعن الآية الرابعة أن المساواة في الوحي لا تستلزم المساواة في الشرع.
وعن الآية الخامسة أن ظاهرها يقتضي اشتراك الأنبياء جميعا في الحكم بها، وذلك غير مراد، لان إبراهيم ونوحا وإدريس وآدم (عليهم السلام) لم يحكموا بها، لتقدمهم على نزولها، فيكون المراد أن الأنبياء يحكمون بصحة ورودها عن الله، وأن فيها نورا وهدى، ولا يلزم أن يكونوا متعبدين بالعمل بها، كما أن كثيرا من آيات القرآن منسوخة، وهي عندنا نور وهدى، وأما رجوعه (صلى الله عليه وآله) في تعرف حد الرجم فلا نسلم أن مراجعته إلى التوراة لتعرفه، بل لم لا يجوز أن يكون ذلك لإقامة الحجة على من أنكر وجوده في التوراة انتهى.
أقول: إنما أوردنا دلائل القول في نفي تعبده (صلى الله عليه وآله) بعد البعثة بشريعة من قبله لاشتراكها مع ما نحن فيه في أكثر الدلائل، فإذا عرفت ذلك فاعلم أن الذي ظهر لي من الأخبار المعتبرة، والآثار المستفيضة هو أنه (صلى الله عليه وآله) كان قبل بعثته مذ أكمل الله عقله في بدو سنه نبيا مؤيدا بروح القدس، يكلمه الملك، ويسمع الصوت، ويرى في المنام، ثم بعد أربعين سنة صار رسولا، وكلمه الملك معاينة، ونزل عليه القرآن، وامر بالتبليغ، و كان يعبد الله قبل ذلك بصنوف العبادات إما موافقا لما أمر به الناس بعد التبليغ وهو أظهر (1)، أو على وجه آخر، إما مطابقا لشريعة إبراهيم (عليه السلام)، أو غيره ممن تقدمه من الأنبياء عليهم السلام لا على وجه كونه تابعا لهم وعاملا بشريعتهم، بل بأن ما أوحي إليه (صلى الله عليه وآله) كان مطابقا لبعض شرائعهم، أو على وجه آخر نسخ بما نزل عليه بعد الارسال، ولا أظن أن يخفى صحة ما ذكرت على ذي فطرة مستقيمة، وفطنة غير سقيمة بعد الإحاطة