ومنها أنه لما كلف الله تعالى الأرواح أولا في الذر وأخذ ميثاقهم فاختاروا الخير والشر باختيارهم في ذلك الوقت، وتفرع اختلاف الطينة على ما اختاروه باختيارهم كما دل عليه بعض الأخبار السابقة فلا فساد في ذلك.
ولا يخفى ما فيه وفي كثير من الوجوه السابقة، وترك الخوض في أمثال تلك المسائل الغامضة التي تعجز عقولنا عن الإحاطة بكنهها أولى، لا سيما في تلك المسألة التي نهى أئمتنا عن الخوض فيها، ولنذكر بعض ما ذكره في ذلك علماؤنا رضوان الله عليهم ومخالفوهم.
فمنها ما ذكره الشيخ المفيد قدس الله روحه في جواب المسائل السروية حيث سئل: ما قوله - أدام الله تأييده - في معنى الاخبار المروية عن الأئمة الهادية عليهم السلام في الأشباح وخلق الله تعالى الأرواح قبل خلق آدم عليه السلام بألفي عام، وإخراج الذرية من صلبه على صور الذر، ومعنى قول رسول الله صلى الله عليه وآله: الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف؟.
الجواب: - وبالله التوفيق - أن الاخبار بذكر الأشباح تختلف ألفاظها، وتتباين معانيها، وقد بنت الغلاة عليها أباطيل كثيره، وصنفوا فيها كتبا لغوا فيها، وهزؤوا فيما أثبتوه منه في معانيها، وأضافوا ما حوته الكتب إلى جماعة من شيوخ أهل الحق و تخرصوا الباطل بإضافتها إليهم، من جملتها كتاب سموه كتاب (الأشباح والأظلة) نسبوه في تأليفه إلى محمد بن سنان، ولسنا نعلم صحة ما ذكروه في هذا الباب عنه وإن كان صحيحا فإن ابن سنان قد طعن عليه وهو متهم بالغلو، فإن صدقوا في إضافة هذا الكتاب إليه فهو ضلال لضال عن الحق، وإن كذبوا فقد تحملوا أوزار ذلك، والصحيح من حديث الأشباح الرواية التي جاءت عن الثقاة بأن آدم عليه السلام رأى على العرش أشباحا يلمع نورها، فسأل الله تعالى عنها، فأوحى إليه أنها أشباح رسول الله صلى الله عليه وآله، وأمير المؤمنين، والحسن، والحسين، وفاطمة صلوات الله عليهم; وأعلمه أنه لولا الأشباح التي رآها ما خلقه ولا خلق سماءا ولا أرضا. والوجه فيما