بيان: ما ورد في هذا الخبر من عدم تقدم الاستطاعة على الفعل موافقا لاخبار أوردها الكليني في ذلك يحتمل وجوها:
الأول: التقية لموافقته لما ذهب إليه الأشاعرة من أن للعبد قدرة وكسبا، مقارنة للفعل، غير مؤثرة فيه، ولمخالفته لما سبق من الأخبار الكثيرة الدالة على تقدم الاستطاعة وأن من لا يقول به فهو مشرك.
الثاني: أن يكون المراد بالاستطاعة في أمثال هذا الخبر الاستقلال بالفعل، بحيث لا يمكن أن يمنعه عنه مانع، ولا يكون هذا إلا في حال الفعل إذ يمكن قبل الفعل أن يزيله الله عن الفعل ولو بإعدامه وإزالة عقله، أو شئ آخر مما يتوقف عليه الفعل.
الثالث: أن يكون المعنى أن في حال الفعل يظهر الاستطاعة ويعلم أنه كان مستطيعا قبله، بأن أذن الله له في الفعل، كما ورد أن بعد القضاء لا بداء; والأول أظهر.
مجالس المفيد: علي بن مالك النحوي، عن محمد بن الفضل، عن محمد بن أحمد الكاتب، عن يموت بن المزرع، عن عيسى بن إسماعيل، عن الأصمعي، عن عيسى بن عمر قال: كان ذو الرمة الشاعر (1) يذهب إلى النفي في الافعال، وكان رؤبة بن العجاج (2) إلى الاثبات فيها، فاجتمعا في يوم من أيامهما عند بال بن أبي بردة - وهو والي البصرة - وبلال يعرف ما بينهما من الخلاف، فحضهما على المناظرة فقال رؤبة: والله ما يفحص طائر افحوصا ولا يقرمص سبع قرموصا إلا كان ذلك بقضاء الله وقدره، فقال له ذو الرمة:
والله ما أذن الله للذئب أن يأخذ حلوبة عالة عيايل ضرايك، فقال له رؤبة: أفبمشيته أخذها؟ أم بمشية الله؟ فقال ذو الرمة: بل بمشيته وإرادته، فقال رؤبة: هذا والله الكذب على الذئب! فقال ذو الرمة: والله الكذب على الذئب أهون من الكذب على