والقول الثاني باطل بالاجماع، وفي القول الأول فنقول: إما أن يقال: إنهم بقوا فهماء، عقلاء، قادرين حال ما كانوا نطفة وعلقة ومضغة، أو ما بقوا كذلك، والأول باطل ببديهة العقل. والثاني يقتضي أن يقال: الانسان حصل له الحياة أربع مرات; أولها وقت الميثاق، وثانيها في الدنيا، وثالثها في القبر، ورابعها في القيامة، وأنه حصل له الموت ثلاث مرات: موت بعد الحياة الحاصلة في الميثاق الأول، وموت في الدنيا، وموت في القبر، وهذا العدد مخالف للعدد المذكور في قوله تعالى: " ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين ". (1) الثاني عشر قوله تعالى: " ولقد خلقنا الانسان من سلالة من طين " (2) فلو كان القول بهذا الذر صحيحا لكان ذلك الذر هو الانسان، لأنه هو المكلف المخاطب، المثاب المعاقب، وذلك باطل لان الذر غير مخلوق من النطفة والعلقة والمضغة، ونص الكتاب دليل على أن الانسان مخلوق من النطفة والعلقة والمضغة، وهو قوله: " ولقد خلقنا الانسان من سلالة من طين " وقوله: " قتل الانسان ما أكفره من أي شئ خلقه من نطفة خلقه فقدره " (3) فهذه جملة الوجوه المذكورة في بيان أن هذا القول ضعيف.
والقول الثاني في تفسير هذه الآية قول أصحاب النظر وأرباب المعقولات أنه أخرج الذر وهم الأولاد من أصلاب آبائهم، وذلك الاخراج أنهم كانوا نطفة فأخرجها الله تعالى في أرحام الأمهات، وجعلها علقة، ثم مضغة، ثم جعلهم بشرا سويا، وخلقا كاملا، ثم أشهدهم على أنفسهم بما ركب فيهم من دلائل وحدانيته، وعجائب خلقه و غرائب صنعه، فبالاشهاد صاروا كأنهم قالوا: بلى وإن لم يكن هناك قول باللسان لذلك نظائر.
منها قوله تعالى: " فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين ".
ومنها قوله تعالى: " إنما قولنا لشئ إذا أردناه أن نقول له كن فيكون ".
وقول العرب: قال الجدار للوتد: لم تشقني؟ قال: سل من يدقني، فإن الذي ورائي ما خلاني ورأيي. وقال الشاعر:
امتلأ الحوض وقال قطني.