فهذا النوع من المجاز والاستعارة مشهورة في الكلام فوجب حمل الكلام عليه، فهذا هو الكلام في تقرير هذين القولين، وهذا القول الثاني لا طعن فيه البتة، وبتقدير أن يصح هذا القول لم يكن ذلك منافيا لصحة القول الأول، إنما الكلام في أن القول الأول هل يصح أم لا؟.
فإن قال قائل: فما المختار عندكم فيه؟ قلنا: ههنا مقامان: أحدهما أنه هل يصح القول بأخذ الميثاق عن الذر؟ والثاني أن بتقدير أن يصح القول به فهل يمكن جعله تفسيرا لألفاظ هذه الآية؟
أما المقام الأول فالمنكرون له قد تمسكوا بالدلائل العقلية التي ذكرناها و قررناها.
ويمكن الجواب عن كل واحد منها بوجه مقنع.
أما الوجه الأول من الوجوه العقلية المذكورة وهو أنه لو صح القول بأخذ هذا الميثاق لوجب أن نتذكره الآن.
قلنا: خالق العلم بحصول الأحوال الماضية هو الله تعالى لأن هذه العلوم عقلية ضرورية، والعلوم الضرورية خالقها هو الله تعالى، وإذا كان كذلك صح منه تعالى أن يخلقها.
فإن قالوا: فإذا جوزتم هذا فجوزوا أن يقال: إن قبل هذا البدن كنا في أبدان أخرى على سبيل التناسخ، وإن كنا لا نتذكر الآن أحوال تلك الأبدان.
قلنا: الفرق بين الامرين ظاهر، وذلك لأنا إذا كنا في أبدان أخرى وبقينا فيها سنين ودهورا امتنع في مجرى العادة نسيانها أما أخذ هذا الميثاق إنما حصل في أسرع زمان وأقل وقت فلم يبعد حصول النسيان، والفرق الظاهر حاكم بصحة هذا الفرق لان الانسان إذا بقي على العمل الواحد سنين كثيرة يمتنع أن ينساها، أما إذا مارس العمل الواحد لحظة واحدة فقد ينساها فظهر الفرق.
وأما الوجه الثاني وهو أن يقال: مجموع تلك الذرات يمتنع حصولها بأسرها في