إليه يوما أسأله عن حال عملي إذ سمعت صارخا على باب داره يقول: أتتكم القطار يحمل النار، اللهم العن الامرين بالمعروف التاركين له، اللهم العن الناهين عن المنكر المرتكبين له، فازبأر معاوية وتغير لونه وقال: يا جلام أتعرف الصارخ؟ فقلت:
اللهم لا، قال: من عذيري من جندب؟ يأتينا كل يوم فيصرخ على باب قصرنا بما سمعت، ثم قال: أدخلوه علي، فجئ بأبي ذر بين قوم يقودونه حتى وقف بين يديه، فقال له معاوية: يا عدو الله وعدو رسوله تأتينا في كل يوم فتصنع ما تصنع، أما اني لو كنت قاتل رجل من أصحاب محمد من غير اذن أمير المؤمنين عثمان لقتلتك، ولكني أستأذن فيك.
قال جلام: وكنت أحب أن أرى أبا ذر، لأنه رجل من قومي، فالتفت إليه فإذا رجل أسمر ضرب من الرجال، خفيف العارضين، في ظهره جنأ. فأقبل على معاوية فقال: ما أنا بعدو الله ولا لرسوله، بل أنت وأبوك عدوان لله ولرسوله، أظهرتما الاسلام وأبطنتما الكفر، ولقد لعنك رسول الله صلى الله عليه وآله ودعا عليك مرات أن لا تشبع، سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: إذا ولي الأمة الأعين الواسع البلعوم الذي لا يأكل ولا يشبع، فتأخذ الأمة حذرها منه.
فقال معاوية: ما أنا ذاك الرجل، قال أبو ذر: بل أنت ذلك الرجل، أخبرني بذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسمعته يقول ومررت به: اللهم العنه ولا تشبعه الا بالتراب، وسمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: است معاوية في النار، فضحك وأمر بحبسه، وكتب إلى عثمان فيه.
فكتب عثمان إلى معاوية: أن احمل جندبا إلي على أغلظ مركب وأوعره، فوجه به من سار به الليل والنهار، وحمله على شارف (1) ليس عليها الا قتب حتى قدم به