﴿والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم﴾ (1) فرفع ذلك إلى عثمان مرارا وهو ساكت.
ثم إنه أرسل إليه مولى من مواليه أن انته عما بلغني عنك، فقال أبو ذر: أو ينهاني عثمان عن قراءة كتاب الله تعالى وعيب من ترك أمر لله، فوالله لئن أرضى الله بسخط عثمان أحب إلي وخير لي من أسخط الله برضا عثمان.
فأغضب عثمان ذلك وأحفظه، فتصابر وتماسك، إلى أن قال عثمان يوما والناس حوله: أيجوز للامام أن يأخذ من المال شيئا قرضا فإذا أيسر قضى؟ فقال كعب الأحبار: لا بأس بذلك، فقال أبو ذر: يا بن اليهوديين أتعلمنا ديننا؟ فقال عثمان: قد كثر أذاك لي وتولعك بأصحابي ألحق بالشام، فأخرجه إليها.
فكان أبو ذر ينكر على معاوية أشياء يفعلها، فبعث إليه معاوية يوما ثلاثمائة دينار، فقال أبو ذر لرسوله: ان كانت من عطائي الذي حرمتمونيه عامي هذا أقبلها، وان كانت صلة فلا حاجة لي فيها وردها عليه.
ثم بنى معاوية الخضراء بدمشق، فقال أبو ذر: يا معاوية ان كانت هذه من مال الله فهي الخيانة، وان كانت من مالك فهي الاسراف، وكان أبو ذر يقول بالشام:
والله لقد حدثت أعمال ما أعرفها، والله ما هي في كتاب الله ولا سنة نبيه، والله اني لا أرى حقا يطفأ، وباطلا يحيا، وصادقا مكذبا، وأثرة بغير تقى، وصالحا مستأثرا عليه، فقال حبيب بن مسلمة الفهري لمعاوية: ان أبا ذر لمفسد عليكم بالشام، فتدارك أهله إن كان لك فيه حاجة.
وروى شيخنا أبو عثمان الجاحظ في كتاب السفيانية، عن جلام بن جندب الغفاري، قال: كنت عاملا لمعاوية على قنسرين والعواصم في خلافة عثمان، فجئت