من الشام لما قد أفسدتها أفأردك إليها؟ قال: أفأخرج إلى العراق؟ قال: لا انك ان تخرج إليها تقدم على قوم اولي شبه وطعن على الأئمة والولاة، قال: أفأخرج إلى مصر؟ قال: لا، قال: فإلى أين أخرج؟ قال: إلى البادية، قال أبو ذر: أصير بعد الهجرة أعرابيا؟ قال: نعم.
قال أبو ذر: فأخرج إلى بادية نجد؟ قال عثمان: بل إلى الشرق الأبعد أقصى فأقصى، امض على وجهك هذا فلا تعدون الربذة، فخرج إليها.
وروى الواقدي أيضا عن مالك بن أبي الرجال، عن موسى بن ميسرة، أن أبا الأسود الدؤلي قال: كنت أحب لقاء أبي ذر لأسأله عن سبب خروجه إلى الربذة، فجئته، فقلت له: ألا تخبرني أخرجت من المدينة طائعا أم أخرجت كرها؟ فقال:
كنت في ثغر من ثغور المسلمين أغني عنهم، فأخرجت إلى المدينة، فقلت: دار هجرتي وأصحابي، فأخرجت من المدينة إلى ما ترى.
ثم قال: بينا أنا ذات ليلة نائم في المسجد على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله إذ مر بي عليه السلام، فضربني برجله وقال: لا أراك نائما في المسجد، فقلت: بأبي أنت وأمي غلبتني عيني فنمت فيه، قال: فكيف تصنع إذا أخرجوك منه؟ قلت: إذا ألحق بالشام فإنها أرض مقدسة وأرض جهاد، قال: فكيف تصنع إذا أخرجوك منها، قلت: أرجع إلى المسجد، قال: فكيف تصنع إذا أخرجوك منه؟ قلت: آخذ سيفي فأضربهم به.
فقال: ألا أدلك على خير من ذلك؟ انسق معهم حيث ساقوك، وتسمع وتطيع، فسمعت وأطعت، وأنا أسمع وأطيع، والله ليلقين الله عثمان وهو آثم في جنبي (1).
أقول: الظاهر من آثار عثمان وسائر بني أمية أنهم كانوا دهريين منكرين للثواب والعقاب. ومما يشهد به ما رواه ابن أبي الحديد في شرحه، قال أبو بكر أحمد بن عبد