مثاله أن المحتالين يأخذون البيض، ويضعونه في الخل ونحوه، ويتركونه يومين وثلاثة، حتى يصير قشره الفوقاني لينا بحيث يمكن أن يطول، فإذا صار طويلا بمده كذلك، يطرح في قارورة ضيقة الرأس، فإذا صار فيها يصب فيها الماء البارد وتحرك القارورة حتى يصير البيض مدورا كما كان، ويذهب ذلك اللين من قشره الفوقاني بذلك بعد ساعات، ويشتد بحيث ينكسر انكساره أولا، فيظن الغفلة أن المعجز مثله، وهو حيلة.
ونحو ذلك ما ألقى سحرة فرعون من حباهم وعصيهم حتى خيل إلى الناظر إليها من سحرهم أنها تسعى، احتالوا في تحريك العصا والحبال لأنهم جعلوا فيها من الزئبق، فلما طلعت الشمس عليها، تحركت بحرارة الشمس.
وغير ذلك من أنواع [الحيل، وأنواع] التمويه والتلبيس، وخيل إلى الناس أنها تتحرك كما تتحرك الحية، وإنما سحروا أعين الناس لأنهم أروهم شيئا لم يعرفوه (١) ودخل عليهم الشبهة في ذلك لبعده منهم، فإنهم لم يتركوا الناس يدخلون بينهم.
وفي هذه دلالة على أن السحر لا حقيقة له، لأنها لو صارت حياة حقيقة لم يقل الله تعالى: ﴿سحروا أعين الناس﴾ (2) بل كان يقول سبحانه: " فلما ألقوا صارت حياة ".
ثم قال تعالى: " وأوحينا إلى موسى أن ألق عصاك فإذا هي تلقف ما يأفكون) (2) أي ألقاها فصارت ثعبانا فإذا هي تبتلع ما يأفكون (4) فيه من الحبال والعصي، وإنما ظهر ذلك للسحرة على الفور، لأنهم لما رأوا تلك الآيات والمعجزات في العصا علموا أنه أمر سماوي لا يقدر عليه غير الله تعالى.
فمن تلك الآيات: قلب العصا حية.
ومنها أكلها حبالهم وعصيهم مع كثرتها.