ثم قال عليه السلام: فإن قالوا ما الحجة في قول الله تعالى: (يهدي من يشاء ويضل من يشاء) (1) وما أشبه ذلك؟
قلنا: فعلى مجاز هذه الآية يقتضي معنيين: أحدهما عن كونه تعالى قادرا على هداية من يشاء وضلالة من يشاء، ولو أجبرهم على أحدهما لم يجب لهم ثواب ولا عليهم عقاب، على ما شرحناه. والمعنى الآخر: أن الهداية منه (التعريف) كقوله تعالى: (وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى) (2) وليس كل آية مشتبهة في القرآن كانت الآية حجة على حكم الآيات اللاتي أمر بالأخذ بها وتقليدها، وهي قوله: (هو الذي أنزل عليكم الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله. الآية) (3) وقال: (فبشر عبادي الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب) (4) وفقنا الله وإياكم لما يحب ويرضى، ويقرب لنا ولكم الكرامة والزلفى، وهدانا لما هو لنا ولكم خير وأبقى، إنه الفعال لما يريد، الحكيم المجيد.
عن أبي عبد الله الزيادي (5) قال: لما سم المتوكل، نذر لله إن رزقه الله العافية أن يتصدق بمال كثير، فلما سلم وعوفي سأل الفقهاء، عن حد (المال الكثير) كم يكون؟ فاختلفوا. فقال بعضهم: (ألف درهم) وقال بعضهم: (عشرة آلاف) وقال بعضهم: (مائة ألف) فاشتبه عليه هذا.
فقال له الحسن حاجبه: إن أتيتك يا أمير المؤمنين من هذا خبرك بالحق والصواب فما لي عندك؟
فقال المتوكل: إن أتيت بالحق فلك عشرة آلاف درهم، وإلا أضربك مائة مقرعة.