والنعمان أبو حنيفة (1) على جعفر بن محمد، فرحب بنا فقال.
(١) أبو حنيفة: واسمه النعمان بن ثابت بن زوطي. وكان زوطي مملوكا لبني تيم الله بن ثعلبة. وأصله من كابل، وقيل مولى لبني قفل كما في الفهرستلابن النديم ص ٢٨٤ وقال الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد ج ١٣ ص ٣٢٤: (ولد أبو حنيفة وأبوه نصراني).. إلى أن قال: (وكان زوطي مملوكا لبني تيم الله بن ثعلبة فأعتق، فولاؤه لبني عبد الله بن ثعلبة ثم لبني قفل).
وروى مسندا عن الزيادي يقول: سمعت أبا جعفر يقول: كان أبو حنيفة اسمه عتيك بن زوطرة فسمى نفسه النعمان وأباه ثابتا. وقيل كان والد أبي حنيفة من (نسا) وقيل أصله من (ترمذ) وقيل ثابت والد أبي حنيفة من أهل (الأنبار).
وأورد الخطيب البغدادي في تاريخه عدة روايات بأسانيد مختلفة تقول: أن أبا حنيفة استتيب من الكفر مرتين وفي بعضها ثلاثا وفي رواية سفيان الثوري استتيب من الكفر مرارا. وفي رواية أبي عيينة استتيب من الدهر ثلاث مرات راجع تاريخ بغداد ج ١٣ ص ٣٨٠ - ٣٨٣ رفيه ص ٣٧٢ مسندا أن أبا حنيفة قال: لو أن رجلا عبد هذه النعل يتقرب بها إلى الله لم أر بذلك بأسا. وكان شريك يقول: كفر أبو حنيفة بآيتين من كتاب الله قال الله تعالى: (ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة) وقال تعالى: (يزدادوا إيمانا مع إيمانهم) وزعم أبو حنيفة أن الإيمان لا يزداد ولا ينقص وأن الصلاة ليست من دين الله.
وفي ص ٣٨٦ منه عن الجوهري روى مسندا قال: سمعت أبا مطيع يقول: قال أبو حنيفة: إن كانت الجنة والنار مخلوقتين فإنهما يفنيان وفيه عن ابن أسباط قال أبو حنيفة لو أدركني رسول الله وأدركته لأخذ بكثير من قولي وقال سمعت أبا إسحاق يقول كان أبو حنيفة يجيئه الشئ عن النبي فيخالفه إلى غيره وفي ص ٣٧٠ من نفس المصدر سئل أبو حنيفة عن رجل قال: أشهد أن الكعبة حق. ولكن لا أدري هي هذه التي بمكة أم لا فقال مؤمن حقا. وسئل عن رجل قال: أشهد أن محمد بن عبد الله نبي ولكن لا أدري هو الذي قبره بالمدينة أم لا فقال: مؤمن حقا.
وهو أحد المذاهب الأربعة السنية، صاحب الرأي والقياس والفتاوى المعروفة في الفقه.
ذكر ابن خلكان في ج ٢ ص ٨٦ من الوفيات في ترجمة محمد بن سبكتكين عن إمام الحرمين أبو المعالي عبد الملك الجويني في كتابه الذي سماه: (مغيث الخلق في اختيار الأحق) قال: إن السلطان محمود المذكور كان على مذهب أبي حنيفة وكان مولعا بعلم الحديث، وكانوا يسمعون الحديث من الشيوخ بين يديه وهو يسمع وكان يستفسر الأحاديث فوجدها أكثرها موافقا لمذهب الشافعي فوقع في خلده حكمه. فجمع العلماء من الفريقين في مرو والتمس منهم الكلام في ترجيح أحد المذهبين على الآخر فوقع الاتفاق على أن يصلوا بين يديه ركعتين على مذهب الشافعي وعلى مذهب أبي حنيفة.. فصلى القفال المروزي... إلى أن قال: ثم صلى ركعتين على ما يجوز أبو حنيفة فلبس جلد كلب مدبوغا ثم لطخ ربعه بالنجاسة وتوضأ بنبيذ التمر وكان في صميم الصيف في المفازة واجتمع عليه الذباب والبعوض وكان وضوءه منكسا منعكسا، ثم استقبل القبلة وأحرم بالصلاة من غير نية في الوضوء، وكبر بالفارسية، ثم قرأ آية بالفارسية (دو بركك سبن) ثم نقر نقرتين كنقرات الديك من غير فصل ومن غير ركوع وتشهد، وضرط في آخره من غير نية السلام وقال: أيها السلطان هذه صلاة أبي حنيفة فقال السلطان:
لو لم تكن هذه الصلاةصلاة أبي حنيفة لقتلتك فأنكرت الحنفية أن تكون هذه صلاة أبي حنيفة فأمر القفال بإحضار كتب أبي حنيفة! وأمر السلطان نصرانيا كاتبا يقرأ المذهبين فوجدت الصلاة على مذهب أبي حنيفة على ما حكاه القفال، فأعرض السلطان عن مذهب أبي حنيفة، وفي ج ١٣ من تاريخ بغداد ص ٣٧٠ قال الحارث بن عمير:
وسمعته يقول: لو أن شاهدين شهدا عند قاض: أن فلان بن فلان طلق امرأته، وعلما جميعا أنهما شهدا بالزور ففرق القاضي بينهما، ثم لقيها أحد الشاهدين فله أن يتزوج بها.
وفي ص ٣٦٢ منه قال: قال مساور الوراق:
كنا من الدين قبل اليوم في سعة * حتى ابتلينا بأصحاب المقاييس قاموا من السوق إذ قلت مكاسبهم * فاستعملوا الرأي عند الفقر والبؤس أما العريب فأمسوا لا عطاء لهم * وفي المولى علامات المفاليس فلقيه أبو حنيفة فقال هجوتنا نحن نرضيك، فبعث إليه بدراهم فقال:
إذا ما أهل مصر بادهونا * بداهية من الفتيا لطيفة أتيناهم بمقياس صحيح * صليب من طراز أبي حنيفة إذا سمع الفقيه به حواه * وأثبته بحبر في صحيفة.
فأجابه بعضهم يقول:
إذا ذو الرأي خاصم عن قياس * وجاء ببدعة هنة سخيفة أتيناه بقول الله فيها * وآيات محبرة شريفة فكم من فرج محصنة * عفيف أحل حرامها بأبي حنيفة وروي أيضا أنه اجتمع الثوري وشريك والحسن بن صالحوابن أبي ليلى فبعثوا إلى أبي حنيفة فأتاهم فقالوا له: ما تقول في رجل قتل أباه، ونكح أمه، وشرب الخمر في رأس أبيه؟ فقال: مؤمن. فقال له ابن أبي ليلى: لا قبلت لك شهادة أبدا وقال الثوري لا كلمتك أبدا. وقال شريك: لو كان لي من الأمر شئ لضربت عنقك وقال له الحسن وجهي من وجهك حرام أن أنظر إلى وجهك أبدا وروي أيضا عن الإمام مالك قال: ما ولد في الإسلام مولود أضر على أهل الإسلام من أبي حنيفة وقال: كانت فتنة أبي حنيفة أضر على هذه الأمة من فتنة إبليس وأخرج عن الأوزاعي قال: عمد أبو حنيفة إلى عرى الإسلام فنقضه عروة عروة وعن عبد الرحمن ابن مهدي قال: ما علم في الإسلام فتنة بعد فتنة الدجال أعظم من رأي أبي حنيفة وأخرج عن أبي صالح الفراء قال: سمعت يوسف بن أسباط يقول: رد أبو حنيفة على رسول الله صلى الله عليه وآله أربعمائة حديث أو أكثر وأنه سئل عن مسألة فأجاب فيها ثم قيل له: يروى عن النبي (ص) فيها كذا وكذا قال: دعنا من هذا وفي رواية قال:
حك هذا بدنب خنزيرة.
قال ابن خلكان ص ١٦٥ ج ٢ من الوفيات ولم يكن يعاب بشئ سوى قلة العربية فمن ذلك ما روى: أن أبا عمرو بن العلاء المقري النحوي سأله عن القتل بالمثقل هل يوجب القود أم لا؟ فقال لا فقال له أبو عمرو ولو قتله بحجر المنجنيق فقال ولو قتله (بابا قبيس).
وتوفي سنة ماءة وخمسين وقبره ببغداد في مقبرة خيزران.