الأرض، ولم تصعد إلى السماء، ولم تخبر ما هناك فتعرف ما خلفهن، وأنت جاحد بما فيهن، وهل يجحد العاقل ما لا يعرف؟!
فقال الزنديق: ما كلمني بهذا غيرك.
قال أبو عبد الله عليه السلام: فأنت من ذلك في شك، فلعل هو ولعل ليس هو.
قال: ولعل ذلك.
فقال أبو عبد الله عليه السلام: أيها الرجل ليس لمن لا يعلم حجة على من يعلم، ولا حجة للجاهل على العالم، يا أخا أهل مصر، تفهم عني، أما ترى الشمس والقمر والليل والنهار يلجان ولا يستبقان، يذهبان ويرجعان، قد اضطرا ليس لهما مكان إلا مكانهما، فإن كانا يقدران على أن يذهبا فلم يرجعان، وإن كانا غير مضطرين فلم لا يصير الليل نهارا والنهار ليلا؟ اضطرا والله يا أخا أهل مصر إن الذي تذهبون إليه وتظنون من الدهر، فإن كان هو يذهبهم فلم يردهم؟ وإن كان يردهم فلم يذهب بهم؟ أما ترى السماء مرفوعة، والأرض موضوعة، لا تسقط السماء على الأرض، ولا تنحدر الأرض فوق ما تحتها، أمسكها والله خالقها ومدبرها. قال: فآمن الزنديق على يدي أبي عبد الله، فقال: هشام خذه إليك وعلمه.
وعن عيسى بن يونس (1) قال: كان ابن أبي العوجاء من تلامذة الحسن البصري، فانحرف عن التوحيد، فقيل له: تركت مذهب صاحبك ودخلت فيما لا أصل له ولا حقيقة؟
قال: إن صاحبي كان مخلطا، يقول طورا بالقدر، وطورا بالجبر، فما أعلمه اعتقد مذهبا دام عليه، فقدم مكة متمردا، وإنكارا على من يحجه، وكان تكره العلماء مجالسته لخبث لسانه، وفساد ضميره، فأتى أبا عبد الله عليه السلام فجلس إليه في جماعة من نظرائه، فقال:
يا أبا عبد الله! إن المجالس بالأمانات، ولا بد لكل من به سعال أن يسعل