فعلمنا إن الكتاب شهد بتصديق هذه الأخبار، وتحقيق هذه الشواهد، فلزم الأمة الاقرار بها إذا كانت هذه الأخبار وافقت القرآن، ووافق القرآن هذه الأخبار فلما وجدنا ذلك موافقا لكتاب الله، ووجدنا كتاب الله لهذه الأخبار موافقا، وعليها دليلا، كان الاقتداء بهذه الأخبار فرضا لا يتعداه إلا أهل العناد والفساد.
ثم قال عليه السلام: ومرادنا وقصدنا الكلام في الجبر والتفويض وشرحهما وبيانهما وإنما قدمنا ما قدمنا ليكون اتفاق الكتاب والخبر إذا اتفقا دليلا لما أردناه، وقوة لما نحن مبينوه من ذلك إن شاء الله.
(فقال): الجبر والتفويض يقول الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام، عندما سئل عن ذلك فقال: لا جبر ولا تفويض، بل أمر بين الأمرين.
قيل: فماذا يا بن رسول الله؟
فقال: صحة العقل، وتخلية السرب، والمهلة في الوقت، والزاد قبل الراحلة والسبب المهيج للفاعل على فعله، فهذه خمسة أشياء فإذا نقص العبد منها خلة كان العمل عنه مطرحا بحسبه، وأنا أضرب لكل باب من هذه الأبواب الثلاثة وهي: الجبر، والتفويض، والمنزلة بين المنزلتين، مثلا يقرب المعنى للطالب، ويسهل له البحث من شرحه، ويشهد به القرآن بمحكم آياته، ويحقق تصديقه عند ذوي الألباب، وبالله العصمة والتوفيق.
ثم قال عليه السلام: فأما الجبر. فهو: قول من زعم أن الله عز وجل جبر العباد على المعاصي وعاقبهم عليها، ومن قال بهذا القول فقد ظلم الله وكذبه، ورد عليه قوله: (ولا يظلم ربك أحدا) (1) وقوله جل ذكره: (ذلك بما قدمت يداك وأن الله ليس بظلام للعبيد) (2) مع آي كثيرة في مثل هذا، فمن زعم أنه مجبور على المعاصي فقد أحال بذنبه على الله وظلمه في عقوبته له، ومن ظلم ربه فقد كذب كتابه، ومن كذب كتابه لزمه (الكفر) بإجماع الأمة، فالمثل المضروب في ذلك: