وأما ما سألت: (هل نهى عما أراد؟) فلا يجوز ذلك، ولو جاز ذلك لكان حيث نهى آدم عن أكل الشجرة أراد منه أكلها، ولو أراد منه أكلها لما نادى عليه صبيان الكتاتيب: (وعصى آدم ربه فغوى) والله تعالى لا يجوز عليه أن يأمر بشئ ويريد غيره.
وأما ما سألت عنه من قولك: (هل أعان على ما لم يرد؟) ولا يجوز ذلك وجل الله تعالى عن أن يعين على قتل الأنبياء وتكذيبهم، وقتل الحسين بن علي عليه السلام والفضلاء من ولده، وكيف يعين على ما لم يرد وقد أعد جهنم لمخالفيه، ولعنهم على تكذيبهم لطاعته، وارتكابهم لمخالفته؟! ولو جاز أن يعين على ما لم يرد لكان أعان فرعون على كفره وادعائه أنه رب العالمين، أفترى أراد الله من فرعون أن يدعي الربوبية. يستتاب قائل هذا القول، فإن تاب من كذبه على الله وإلا ضربت عنقه.
وروي عن الحسن بن علي بن محمد العسكري عليه السلام: أن أبا الحسن موسى ابن جعفر عليه السلام قال:
أن الله خلق الخلق فعلم ما هم إليه صايرون فأمرهم ونهاهم، فما أمرهم به من شئ فقد جعل لهم السبيل إلى الأخذ به، وما نهاهم عنه من شئ فقد جعل لهم السبيل إلى تركه، ولا يكونون آخذين ولا تاركين إلا بأذنه، وما جبر الله أحدا من خلقه على معصيته، بل اختبرهم بالبلوى وكما قال: (ليبلوكم أيكم أحسن عملا) (1).
قوله: ولا يكونون آخذين ولا تاركين إلا بإذنه، أي: بتخليته وعلمه.
وروي: أنه دخل أبو حنيفة المدينة ومعه عبد الله بن مسلم فقال له:
يا أبا حنيفة إن هاهنا جعفر بن محمد من علماء آل محمد فاذهب بنا إليه نقتبس منه علما، فلما أتيا إذا هما بجماعة من علماء شيعته ينتظرون خروجه أو دخولهم عليه، فبينما هم كذلك إذ خرج غلام حدث فقام الناس هيبة له، فالتفت أبو حنيفة فقال:
يا ابن مسلم من هذا؟