كمن على عينيه غطاء لا يبصر ما أمامه، فإن الله عز وجل يتعالى عن العبث والفساد وعن مطالبة العباد بما منعهم بالقهر منه، فلا يأمرهم بمغالبته، ولا بالمصير إلى ما قد صدهم بالقسر عنه، ثم قال: ولهم عذاب عظيم يعني: في الآخرة العذاب المعد للكافرين، وفي الدنيا أيضا لمن يريد أن يستصلحه بما ينزل به من عذاب الاستصلاح لينبهه لطاعته، أو من عذاب الاصلاح ليصيره إلى عدله وحكمته.
وروى أبو محمد العسكري عليه السلام مثل ما قال هو في تأويل هذه الآية من المراد بالختم على قلوب الكفار عن الصادق عليه السلام بزيادة شرح لم نذكره مخافة التطويل لهذا الكتاب.
وبالإسناد المتكرر من أبي محمد عليه السلام أنه قال - في تفسير قوله تعالى -:
(الذي جعل لكم الأرض فراشا.. الآية) (1) جعلها ملائمة لطبايعكم، موافقة لأجسادكم، لم يجعلها شديدة الحمى والحرارة فتحرقكم، ولا شديدة البرودة فتجمدكم، ولا شديدة طيب الريح فتصدع هاماتكم، ولا شديدة النتن فتعطبكم، ولا شديدة اللين كالماء فتغرقكم، ولا شديدة الصلابة فتمتنع عليكم في حرثكم وأبنيتكم ودفن موتاكم، ولكنه جعل فيها من المتانة ما تنتفعون به، وتتماسكون وتتماسك عليها أبدانكم وبنيانكم، وجعل فيها من اللين ما تنقاد به لحرثكم وقبوركم وكثير من منافعكم، فلذلك جعل الأرض فراشا لكم.
ثم قال: (والسماء بناء) يعني: سقفا من فوقكم محفوظا، يدير فيها شمسها وقمرها ونجومها لمنافعكم.
ثم قال: (وأنزل من السماء ماء) يعني: المطر ينزله من علو ليبلغ قلل جبالكم وتلالكم وهضابكم وأوهادكم، ثم فرقه رذاذا ووابلا وهطلا وطلا، لينشقه أرضوكم، ولم يجعل ذلك المطر نازلا عليكم قطعة واحدة، ليفسد أرضيكم وأشجاركم وزروعكم وثماركم.
ثم قال: (وأخرج به من الثمرات رزقا لكم) يعني: مما يخرجه من الأرض