الامام بخلاف ذلك، وأيضا فإن استتار النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما طال ولا تمادى، واستتار الامام قد مضت عليه الدهور، وانقرضت عليه العصور.
وذلك أنه ليس الامر على ما قالوه، لان النبي صلى الله عليه وآله وسلم إنما استتر في الشعب والغار بمكة قبل الهجرة وما كان أدى جميع الشريعة، فإن أكثر الاحكام ومعظم القرآن نزل بالمدينة، فكيف أوجبتم أنه كان بعد الأداء، ولو كان الامر على ما قالوه من تكامل الأداء قبل الاستتار، لما كان ذلك رافعا للحاجة إلى تدبيره وسياسته وأمره ونهيه، فإن أحدا لا يقول إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد أداء الشرع غير محتاج إليه ولا مفتقر إلى تدبيره، ولا يقول ذلك معاند.
وهو الجواب عن قول من قال: إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما يتعلق من مصلحتنا قد أداه وما يؤدي في المستقبل لم يكن في الحال مصلحة للخلق، فجاز ذلك الاستتار وليس كذلك الامام عندكم لان تصرفه في كل حال لطف للخلق، فلا يجوز له الاستتار على وجه، ووجب تقويته والمنع منه ليظهر ويزاح (1) علة المكلف.
لأنا قد بينا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع أنه أدى المصلحة التي تعلقت بتلك الحال فلم (2) يستغن عن أمره ونهيه وتدبيره بلا خلاف بين المحصلين، ومع هذا جاز له الاستتار، فكذلك الامام.
على أن أمر الله تعالى له بالاستتار بالشعب (3) تارة وفي الغار أخرى ضرب (4) من المنع منه، لأنه ليس كل المنع أن يحول بينهم وبينه بالعجز أو بتقويته بالملائكة، لأنه لا يمتنع أن يفرض (5) في تقويته بذلك مفسدة في الدين فلا يحسن من الله تعالى فعله، ولو كان خاليا من وجوه الفساد وعلم الله تعالى أنه تقتضيه المصلحة لقواه