ثم انصرف صلوات الله عليه وآله راجعا إلى المدينة، وانصرف الناس معه فلما دخل المدينة مر على دور الأنصار وهم يبكون قتلاهم، فذرفت عيناه صلوات الله عليه وآله، فبكى، ثم قال: لكن حمزة لا بواكي له. فأمر الأنصار نساءهم أن يبكين عليه (1)، ففعلن، فخرج رسول الله صلوات الله عليه وآله وهن يبكين حمزة على باب المسجد فقال: إرجعن رحمكن الله، فقد آسيتن (2) بأنفسكن، ونهاهن عن النوح (وقال: كل نادبة كاذبة إلا نادبة حمزة) (3).
فلما دخل رسول الله صلوات الله عليه وآله (4) منزلة تلقته فاطمة صلوات الله عليها، فدفع إليها سيفه، وقال لها: إغسلي يا بنية عن هذا دمه، فلقد صدقني اليوم، وناولها علي صلوات الله عليه ذو الفقار، وكان رسول الله صلوات الله عليه وآله أعطاه إياه ذلك اليوم. وقال لها مثل ذلك.
وقيل إن عليا صلوات الله عليه لما أبلى ذلك اليوم وأثخن بالقتل في المشركين نادى مناد يسمعونه ولا يعرفونه: لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي (5). ثم قال رسول الله صلوات الله عليه وآله لعلي صلوات الله عليه إنه لا يصيب المشركون منا مثلها حتى يفتح الله علينا.