والظاهر أن ما عبارة عن أجزاء تلك الجيفة التي انتقلت من صلب الحيوانات الآكلة إلى أولادها وإنما سأل عن كيفية إخراج تلك الأجزاء عن أولاد الأكلة لا عن الأكلة والمأكولة لأن التعجب فيه أكثر إذ كلما كان الامتزاج والاختلاط أكثر وأكمل كان التميز والتفريق أشد وأشكل (قال أولم تؤمن) بأني قادر على ذلك وإني على كل شيء قدير، قال ذلك مع علمه بأن إيمانه (عليه السلام) به في غاية الكمال ليجيب بما أجاب ويسمع السامعون غرضه وهو ان يشاهد المعلوم مشاهدة عيان (قال بلى) آمنت (ولكن) سألت (ليطمئن قلبي) بحصول المطلوب عيانا فإن القلب إذا طلب شيئا ولم يجده اضطرب فإذا وجده اطمأن وهذا أحسن مما قاله بعض المفسرين من أنه يطمأن قلبي بزيادة بصيرة بسبب مضامة العيان لأن بصيرته كانت في غاية الكمال ولم يكن فيها نقص أصلا حتى يكمل بمشاهدة العيان. وإلى ما ذكرنا أشار (عليه السلام) بقوله (يعني حتى أرى هذا كما رأيت الأشياء كلها) حيث دل على أن مقصوده مجرد الرؤية كما في المشبه به وانطباق علمه بالمعلوم وأما علمه بالقدرة ففي الحالين على سواء وإليه أشار أمير المؤمنين (عليه السلام) بقوله «لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا» (قال فخذ أربعة من الطير) قيل: طاووسا وديكا وغرابا وحمامة، وحكى عن ابن عباس نسرا بدل حمامة. قيل فيه إيماء إلى إحياء النفس بالحياة الطيبة الأبدية فإن قتل الطاووس إيماء إلى ترك الزينة، وقتل الديك: إلى ترك الصولة والشهوة، وقتل الغراب: إلى ترك الخسة وبعد الأمل، وقتل الحمامة: إلى ترك الترفع والمسارعة إلى الهوى فإن من أمات هذه الصفات عن نفسه فقد أحياها بحياة طيبة أبدية (فصرهن إليك) أمر من صاره يصوره إذا أماله يعنى أملهن وضمهن إليك لتعرفها بخصوصياتها كيلا تشتبه عليك بعد الأحياء (ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا) بينه وبين ما سبق جمل محذوفة بقرينة المقام والكلام ففيه إيجاز الحذف كما في قوله حكاية (فأرسلون * يوسف أيها الصديق) وقد أشار إليها (عليه السلام) بقوله (فقطعهن واخلطهن) بالدق ونحوه (كما اختلطت هذه الجيفة في هذه السباع التي أكل بعضها بعضا) قال الفاضل: الأمين الأسترآبادي فيه إشارة إلى أن الخلط في الصورتين على نهج واحد وفيه تنبيه على أن الله تعالى قدر أن لا يصير الأجزاء الأصلية لحيوان جزءا لحيوان آخر وكأنه أراد أنه لا يجب إعادة الفواضل وفي بعض الروايات دلالة على إعادتها (فخلط ثم جعل على كل جبل منهن جزءا) وفي بعض النسخ (ثم اجعل) بصيغة الأمر ولكل وجه كما لا يخفى (ثم أدعهن) وقل لهن: تعالين بإذن الله تعالى (يأتينك سعيا) ساعيات مسرعات بالمشي أو الطيران (فلما دعاهن أجبنه) قيل: إنه (عليه السلام) أمسك رؤوسهن ثم ناداهن بعد فعل ما أمر به فجعل كل جزء يطير إلى الآخر حتى صارت جثثا، ثم أقبلن سعيا فانضممن إلى رؤوسهن فصرن كما كن (وكانت الجبال عشرة) قال القاضي: قيل: كانت أربعة، وقيل كانت سبعة.
(٤٢٩)