القلم فلا ينطق إلى يوم القيامة واختلفوا في المأمور بالكتابة فقيل هو صاحب القلم بعد خلقه، وقيل القلم نفسه لإجرائه مجرى أولي العلم وإقامته مقامه، وأشار القاضي أيضا إلى هذين الوجهين في تفسير قوله تعالى (ن والقلم وما يسطرون) والروح ما يقوم به الجسد وتكون به الحياة وقد يطلق على القرآن وعلى جبرئيل (عليه السلام) إذا عرفت هذا أقول لعل القائل الأول نظر إلى أن القضاء والتقدير مقدم على وجودات الأشياء فحكم بأنه الأول، والقائل الثالث نظر إلى أن الروح أشرف الأشياء ويتوقف عليه الكتابة في اللوح فحكم بأنه الأول، والكل معترف بأن ما ذهبوا إليه نشأ من مثال سابق وهذا باطل. (فقال أبو جعفر (عليه السلام) ما قالوا شيئا) لأنهم أخطأوا في تعيين الأول وتسليم قول السايل بأن الأول مخلوق من شيء أما الأول فلأن الثلاثة المذكورة متوقفة على العزم المتوقف على الإرادة كما مر في كتاب التوحيد وأما الثاني فلما أشار إليه (عليه السلام) بقوله (أخبرك أن الله تبارك وتعالى كان) في الأزل (ولا غيره شيء وكان عزيزا) غالبا على جميع الأشياء (ولا أحد كان قبل عزه) فلو كان أول ما خلقه من أصل قديم فإن كان ذلك الأصل منه تعالى لزم أن يكون معه شيء وإن كان من غيره لزم أن يكون قبل عزه أحد أعز منه وهو تعالى يتبع أثره وكلاهما باطل وذلك قوله (سبحان ربك رب العزة عما يصفون) إضافة الرب إلى العزة المطلقة تفيد اختصاصها به وعدم حصولها لغيره، وتنزيهه عن كل وصف لا يليق به يفيد ثبوت كل كمال له وسلب كل نقص عنه تعالى، وكل واحد منهما يستلزم توحيده وعدم مشاركة الغير معه في القدم والعزة المطلقة.
(وكان الخالق قبل المخلوق) قبلية زمانية متوهمة وإلا لزمت المشاركة المذكورة الموجبة للنقص وفيه تنبيه على أنه أنشأ الخلق على سبيل القدرة والاختيار لا على سبيل الإيجاب والاضطرار لأنه قديم وخلقه حادث وصدور الحادث عن القديم إنما يتصور بطريق القدرة والاختيار دون الإيجاب والاضطرار وإلا لزم تخلف المعلول عن تمام علته حيث وجدت العلة في الأزل دون المعلول. وبعد تمهيد هذه المقدمات الحقة أشار إلى جواب السايل بقوله: (ولو كان أول ما خلق الله من خلقه الشيء من الشيء) المتوقف عليه خلق ذلك الشيء (إذا لم يكن له انقطاع أبدا) إذ يعود الكلام إلى الشيء الأول فيحتاج هو أيضا إلى مثال متقدم (ولم يزل الله إذا ومعه شيء ليس هو يتقدمه) سواء كان ذلك الشيء من صنعه أو من صنع غيره وإن كان المفروض هو الأول لعدم القائل بالثاني والتالي باطل كما أشر إليه بقوله (ولكنه كان إذ لا شيء غيره) تحقيقا لمعنى القدرة والاختيار ورفعا لمعنى النقص والإيجاب والاضطرار ثم بين أن الأول في عالم الخلق وهو عالم الجسم والجسمانيات خلق من باب الاختراع لا من شيء سابق ومثال متقدم وإذا ثبت ذلك ثبت أن الأول في عالم الأمر وهو عالم الروح والروحانيات خلق كذلك لأن الصانع إذا كان