الماء) وسخنته تسخينا شديدا حتى ثار من الماء دخان وارتفع في جو متوهم وخلاء متسع ارتفاعا تقتضيه الحكمة البالغة (على قدر ما شاء الله أن يثور) ويصلح لخلق السماوات من غير زيادة ونقصان (فخلق من ذلك الدخان سماء صافية نقية) وبسط ذلك الدخان بسطا مخصوصا وركبه تركيبا معلوما وضم إليه الجزء الصوري الحافظ لذلك التركيب إلى ما شاء الله.
(ليس فيها صدع ولا نقب) بالنون أو الثاء المثلثة واعلم أن ظاهر هذا الحديث والذي يأتي بعده وظاهر قوله تعالى (ثم استوى إلى السماء وهي دخان) ناطق بأن السماء مخلوقة من دخان وأن المراد بالنار والدخان معناهما الحقيقي وقيل المراد بالدخان هنا البخار المتصاعد عن وجه الماء الحادث بسبب حركته بتحريك الريح له وليس محمولا على حقيقته لأنه إنما يكون عن النار ولا نار هنالك وإنما سمي البخار دخانا من باب الاستعارة للتشابه بينهما في الصورة لأن البخار أجزاء مائية خالطت الهواء بسبب لطافتها عن حرارة الحركة كما أن الدخان أجزاء مائية انفصلت عن جرم المحترق بسبب لطافتها عن حرارة النار وذلك قوله: (والسماء بناها * رفع سمكها) أي رفع سقفها عن الأرض على قدر تقتضيه الحكمة وقد ذكر الصادق (عليه السلام) بعض تلك الحكمة في توحيد المفضل.
(فسويها) تسوية موجبة لكمالها من غير نقص فيها. (وأغطش ليلها) أي أظلمه (وأخرج ضحيها) أي ضوءها وهو النهار وإنما أضافهما إليها لأنهما يحدثان بحركتها.
(قال ولا شمس ولا نجوم ولا سحاب) حين خلق السماء من الدخان وإنما حدثت هذه الأشياء بعده لمصالح الخلق ومنافعهم. (ثم طواها ووضعها فوق الأرض) على مقدار من الارتفاع المحسوس ثم نسب الخليقتين أي جاء بواحدة منهما في أثر الآخر (فرفع السماء قبل الأرض) أي رفعها بالبسط المعلوم قبل بسط الأرض (فذلك قوله عز ذكره (والأرض بعد ذلك دحيها) يقول بسطها) على قدر معلوم لتكون مهدا للإنسان ومرعى للحيوان. واعلم أن ظاهر هذه الخبر وغيره وظاهر القرآن لما دل على كون الماء أصلا تكونت منه السماوات والأرض، وثبت أن الترتيب المذكور أمر ممكن في نفسه، وثبت أن الباري تعالى فاعل مختار قادر على جميع الممكنات، ثم لم يقم دليل عقلي يمنع من إجراء هذه الظواهر على ما دلت عليه بظاهرها وجب علينا القول بمقتضاها ولا حاجة بنا إلى التأويل الذي ذكره بعض الناس ونحن تركناه لطوله ولا يضرنا ما ذهب إليه الحكماء من تأخر وجود العناصر عن وجود السماوات لأن أدلتهم مدخولة. (فقال الشامي يا أبا جعفر قول الله تعالى (أولم ير الذين كفروا أن السماوات كانتا رتقا)) أي ذات رتق أو مرتوقتين (ففتقناهما) الرتق ضد الفتق وهو الشق، فالرتق الضم والالتحام، والمراد بالرؤية الرؤية القلبية وهي العلم، والكفرة وإن لم يعلموا ذلك لكنهم كانوا متمكنين من العلم به نظرا ومن الاستدلال به على وجود الصانع. (فقال أبو