عبد المطلب لبعض مواليه عند ذلك: اعل الجبل فانظر ترى شيئا؟ فقال: أرى سوادا من قبل البحر، فقال له: يصيبه بصرك أجمع؟ فقال له: لا ولأوشك أن يصيب، فلما أن قرب، قال: هو طير كثير ولا أعرفه يحمل كل طير في منقاره حصاة مثل حصاة الخذف أو دون حصاة الخذف، فقال عبد المطلب: ورب عبد المطلب ما تريد إلا القوم، حتى لما صارت فوق رؤوسهم أجمع ألقت الحصاة فوقعت كل حصاة على هامة رجل فخرجت من دبره فقتلته فما انفلت منهم إلا رجل واحد يخبر الناس، فلما أن أخبرهم ألقت عليه حصاة فقتلته.
* الشرح:
قوله (لما أن وجه صاحب الحبشة) وجه ملك الحبشة أبرهة بن الصباح ملك اليمن وكان تابعا لملك الحبشة ليهدم الكعبة الكعبة بالخيل والأفيال وكان فيها فيل عظيم جسيم أبيض اسمه محمود سموه به لأن الفتح والظفر كان لعسكر هو فيه وسبب ذلك أن أبرهة بنى في الصنعاء كنيسة في غاية الرفعة ونهاية الزينة وأمر الخلق بزيارتها وقصد هدم الكعبة وتخريبها لترويج كنيسته فأرسل إلى ملك الحبشة وأظهر قصده وطلب منه الإمداد بالخيل والأفيال فأجابه فسار مع العساكر والأفيال إلى الحجاز ونهب الأموال وساق المواشي ومن جملة ما ساق إبل عبد المطلب وكانت مائتين على ما نقله أرباب السير وأرسل إلى قريش وأخبرهم بأنه ما جاء ليحاربوهم ويقتلوهم وإنما جاء لهدم الكعبة فقط.
قوله (قال الترجمان) هو من يفسر لكلام أحد بلسان آخر.
قوله (وزعيمهم) زعيم القوم كفيلهم وسيدهم.
قوله (فلما أصبحوا غدوا به) أي بمحمود وقدموه على سائر الأفيال في المقدمة وسار العساكر خلفها، ولما بلغ محمود حد الحرم وقف وأبى من الدخول فيه وامتنع على سائقه ولم يؤثر فيه جلبته ووقف العساكر خلفه صفوفا وحينئذ وقعت الواقعة.
قوله (ولا أعرفه) أي لا أعرف أنه أي نوع من أنواع الطيور.
قوله (مثل حصاة الخذف) في المقدار والصغر والخذف أي ترمى بحصاة أو نواة أو نحوها تأخذه بين سبابتيك، وقيل أن يضع طرف الابهام على طرف السبابة، وفعله من باب ضرب.
قوله (فخرجت من دبره) ومن كان راكبا خرجت من سرة مركوبه أيضا فقتلت الجميع ولم ينفلت إلا محمود ورجل واحد يخبر الناس وهو أبرهة فإنه فر ودخل على ملك الحبشة وقص عليه القصة وتعجب منها الملك فإذا طير من تلك الطيور كان يطير فوق رأسه فقال أيها الملك كانت الطيور من جنس هذا الطير فألقى الطير ما كان معه من الحصاة فوقعت على رأسه وخرجت من دبره