مرتين) مرة لإيمانهم ومرة لتقيتهم، واعلم أن الإيمان كما سيجئ هو التصديق القلبي وحده والإقرار باللسان شرط لقبوله أو دليل على تحققه وثبوته، ومنهم من جعل الإيمان مركبا من المجموع وعلى التقديرين يسقط الإقرار عند التعذر بالنطق كما في حال التقية ونحوها، وترك أبي طالب للإقرار إنما هو للتقية فلا نقصان في إيمانه على أن تركه مطلقا غير ثابت بل الظاهر أنه تركه عند الناس لا عند النبي (صلى الله عليه وآله) وحده، ومما ذكرنا ظهر اندفاع ما ذهب إليه بعض العامة من أنه قد ثبت في السير أن أبا طالب كان مصدقا بقلبه وحده والتصديق القلبي مع القول بأنه هو الإيمان وحده لا ينفع لأن الإقرار شرط لقبوله على أن الإقرار لا يجوز تركه مع القدرة اتفاقا وأما إنه شرط لقبول الإيمان فهو محل كلام.
* الأصل:
135 - الحسين بن محمد ومحمد بن يحيى، عن أحمد بن إسحاق، عن بكر بن محمد الأزدي، عن إسحاق بن جعفر، عن أبيه (عليه السلام) قال: قيل له: إنهم يزعمون أن أبا طالب كان كافرا؟ فقال: كذبوا كيف يكون كافرا وهو يقول:
ألم تعلموا أنا وجدنا محمدا * نبيا كموسى خط في أول الكتب وفي حديث آخر: كيف يكون أبو طالب كافرا وهو يقول:
لقد علموا أن ابننا لا مكذب * لدينا ولا يعبأ بقيل الأباطل وأبيض يستسقى الغمام بوجهه * ثمال اليتامى عصمة للأرامل * الشرح:
قوله (ألم تعلموا أنا) الخطاب للمنكرين والمقرين جميعا للدعوة والتثبيت أو للمنكرين فقط والاستفهام على حقيقته أو للتقرير والتوبيخ والتشبيه بموسى في أصل النبوة والعزم وكونه صاحب شريعة وشوكة ولا ينافي ذلك فضله عليه، والمراد بكونه مخطوطا في أول الكتب كون اسمه ونعته مذكورا في الكتب المتقدمة وفيه دلالة على أن كل من أنكره أنكره حسدا وعنادا كما يشعر به قوله تعالى (الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم).
قوله (لقد علموا أن ابننا لا مكذب * لدينا ولا يعبأ بقيل الأباطل) هذا البيت وتاليه في قصيدة مشهورة لأبي طالب (رضي الله عنه) عند العامة والخاصة وأكثر أبياتها مذكورة في الطرائف، والعبأ المبالاة بالشيء والاعتناء وإنما قال «ابننا» ولم يقل «محمد» للافتخار به يعني قد علموا والله أن ابننا محمدا غير مكذب لدينا لطلوع أنوار الصدق من مطلع لسانه وظهور ضياء الحق من أفق بيانه، وعلموا أيضا أنه لا يبالي بقول أهل الباطل الذين ينكرون نبوته ويدعون مع الله إلها