وإجراء الأحكام، وجهة الإفراط توجب ارتكاب الظلم والجور. وتلك الاستقامة هي الشجاعة المعدودة من الأخلاق الحسنة التي كانت لجميع الأنبياء والأوصياء وعلى اعتدال القوة الشهوية وتوسطها بين الإفراط والتفريط لأن طرف التفريط يوجب العجز عن جلب ما لا بد منه وطرف الإفراط يوجب جلب ما يضر ويجب تركه من المشتهيات النفسانية. فإذا حصلت هذه الأمور حصلت من مجموعها للنفس ملكة العدل التي بها يجوز الحكم بين الناس بل يجب، وإذا فقد كلها أو بعضها كان الحاكم من أهل الجور والطغيان وأهل الظلم والعدوان نعوذ بالله من ذلك. وفي قوله:
(الذي في أيديكم) إشارة إلى أنه مكتوب عندهم في كتاب علي (عليه السلام) أو إلى اتصافهم بهذه الصفة وعدم حصولها لهم بالتكلف.
قوله (إيانا عنى خاصة) أي أراد بأولي الأمر إيانا خاصة لا إيانا وغيرنا ولا غيرنا خاصة، وفيه رد على من قال: أراد بهم سلاطين الجور، وبطلان هذا القول أظهر من أن يحتاج إلى البيان، وأما من قال: أراد بهم أمراء المسلمين وخلفاءهم وقضاتهم وعلماء الشرع فإن أراد بهم الأئمة الطاهرين من آل الرسول فهو حق وإلا فهو في ظهور البطلان مثل ما مر.
قوله (أمر جميع المؤمنين إلى يوم القيامة بطاعتنا) يفهم عموم المؤمنين وشمول الأوقات من عدم التقييد ببعض ووقت ولصحة الاستثناء وهو معيار العموم ولأن طاعتهم كطاعة الله وطاعة الرسول فكما أن طاعتهما واجبة إلى يوم القيامة كذلك طاعتهم.
قوله (فإن خفتم تنازعا في أمر) في القرآن هكذا (فإن تنازعتم في شيء) فالمذكور إما تفسير له وبيان لحاصل معناه أو إشعار بوقوع التحريف فيه أيضا كما يشعر به ظاهر قوله «كذا نزلت» وإنما قلنا ظاهر قوله لاحتمال أن يكون كذا إشارة إلى قوله (وإلى أولي الأمر منكم خاصة).
قوله (وكيف يأمرهم الله عزوجل بطاعة ولاة الأمر ويرخص في منازعتهم) (1) أي منازعة ولاة الأمر بعضهم بعضا في أمر من أمور الدين وغيرها أو في منازعة الناس إياهم، وفيه رد على من قال:
الخطاب في تنازعتم لأولي الأمر على سبيل الالتفات من الغيبة إلى الخطاب وعلى من قال: