قال السائل: يا أبا جعفر كان هذا أمر خاص لا يحتمله العامة، قال: أبى الله أن يعبد إلا سرا حتى يأتي إبان أجله الذي يظهر فيه دينه كما أنه كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) مع خديجة مستترا حتى أمر بالإعلان، قال السائل: ينبغي لصاحب هذا الدين أن يكتم؟ قال: أو ما كتم علي ابن أبي طالب (عليه السلام) يوم أسلم مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى ظهر أمره؟ قال: بلى، قال: فكذلك أمرنا حتى يبلغ الكتاب أجله.
* الشرح:
قوله (خاصموا بسورة إنا أنزلناه تفلحوا) أي تظفروا وتغلبوا عليهم لإخبارها بنزول الملائكة والروح فيها من كل أمر إلى ولي مؤيد من عند الله تعالى، ولا يمكنهم التخلص إلا بأن يقولوا: ذهبت الليلة بذهابه (صلى الله عليه وآله) أو يقولوا: ذهب النزول بذهابه، أو يقولوا: ثبت النزول إلى سلطان الجور، أو يقولوا: ثبت النزول لا إلى أحد، والكل باطل، أما الأولان فلدلالة رواياتهم أيضا على بقائها وبقاء النزول فيها إلى يوم القيامة; ولإجماعهم على بقائهما كما مر، وأما الثالث فلأن نزول الملائكة إلى الجائر بما يحتاج إليه الناس من الأوامر والنواهي باطل بالضرورة، ولم يدع ذلك أحد من الجائرين، وأما الرابع فلأن نزولهم بالأوامر والنواهي لا إلى أحد من الخلق مما لا يتصور قطعا.
قوله (إنها لحجة الله على الخلق بعد رسول الله) حيث دلت على أن الزمان بعده لا يخلو من حجة، ويحتمل أن يراد أن رسول الله حجة الله على الخلق أولا لبيانه من يقوم مقامه بعده ثم هذه السورة حجة الله عليهم بعده لما مر.
قوله (وإنها لسيدة دينكم) لدلالتها على أعظم أمور الدين وهي الخلافة التي تبتنى عليها سائر أموره.
قوله (وإنها لغاية علمنا) لدلالتها على حصول علوم غير محصورة لهم في تلك الليلة بإخبار الملائكة، أو لأن هذه العلوم من توابع العلوم التي كانت حاصلة لهم وغاياتها، فانهم (عليهم السلام) علموا جميع ما في اللوح المحفوظ من النقوش حتمية كانت أو غير حتمية، ويجيئهم حتم غير المحتوم في تلك الليلة، والله أعلم.
قوله (فإنها لولاة الأمر خاصة) لا للغواة كما ظنه بعض النواصب، وفساد ظنه أظهر من أن يحتاج إلى البيان.
قوله (ويقول الله تعالى وإن من امة إلا خلا فيها نذير) أي مضى فيها والأمة الجماعة الموجودون في عصر، وفيه دلالة على أن عصرا من الأعصار لم يخل من نذير فالحكمة الإلهية