شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٢ - الصفحة ٦٣
ليمدحوهم ويثنوا عليهم ويدعوا لهم، وإما من باب التعجب في حسن هذه الأفعال وعظمة فاعلها وكثرة أجرها، ويحتمل أن يكون المراد أن الفاعل بسبب هذه الأفعال اتصل اتصالا معنويا بعالم المجردات (1)، والتحق بأهل ملكوت السماوات وسمي عظيما فيما بينهم بالنسبة إليهم; لاكتسابه هذه الصفات بالمجاهدات النفسانية، فما أعظم شأن فضيلة هذه الصفات حيث تجعل الإنسان السفلي أعظم من أهل الملكوت السماوي العلوي، ويحتمل أيضا أنه دعي في الآخرة عظيما بالتعبير عنها بملكوت السماوات، وهذا الاحتمال بناء على ما قيل من أن المراد بملكوت كل شيء باطنه، فإن لهذا العالم الحسي الشهادي صورة باطنة غيبية نسبتها إليه كنسبة الروح إلى البدن فهي أشرف من هذا العالم، وهي عالم الآخرة (2) عبر عنها بملكوت السماوات تسمية للشيء باسم أشرف أجزائه، فإن السماوات أشرف أجزاء هذا العالم الحسي، ثم هذا التعظيم على جميع الاحتمالات لأهل العلم العملي، ويستفاد منه التعظيم لأهل العلم الاعتقادي الإلهي بالأولوية، مع احتمال أن يراد بتعلم وعلم المعنى الشامل لهذين النوعين من العلم وذكر العمل لا ينافي هذه الإرادة لأنه معتبر في مطلق العلم باعتبار قسم منه، والله أعلم.

1 - الاتصال بعالم المجردات الذي يسمى في عرف الحكماء بعالم العقول واتحاد النفس الناطقة به مشروح ومبين في كتب صدر المتألهين، وهذا مبني على كون المراد بالسماوات العالم الروحاني، إذ قد يطلق السماء على ذلك العالم. (ش) 2 - يعني أن عالم الآخرة بالنسبة إلى هذا العالم كالروح للبدن موجود وليس بمرئي، والملكوت باطن الشيء، ولكن لما كان المناسب أن يقال: ملكوت السماء والأرض إذ لا وجه لتخصيصه بالسماء; لأن الآخرة في باطن هذا العالم بجملته لا في باطن السماء فقط استدرك الشارح هذا التوهم بأن وجه التخصيص كون السماوات أشرف أجزاء العالم المحسوس، فإطلاق ملكوت السماء أولى من إطلاق ملكوت الأرض عليه.
أقول: وذلك لأن الكلام في الجنة، ولو كان الكلام في النار لكان إطلاق ملكوت الأرض مناسبا، بل ورد أن جهنم تحت البحر، وهو أسفل مكان في هذا العالم مقابل السماء، ومع ذلك ففي مراد الشارح نوع غموض، وظاهر كلام بعضهم أن الآخرة هي هذه الدنيا في زمان متأخر وليس عالما آخر وراء هذه في نشأة اخرى، ولكن ما دل على وجود الجنة والنار فعلا وأن رسول الله (صلى الله عليه وآله) دخل الجنة واطلع على النار ليلة المعراج وأمثالها دل الشارح على وجود الآخرة في نشأة غير عالمنا المادي إذ لا يسعها. (ش)
(٦٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 58 59 60 61 62 63 65 66 67 68 69 ... » »»
الفهرست