العظيم.
(ولا ينقص اولئك) أي العالمون المعلمون لباب من أبواب الهدى.
(من اجورهم) أي من اجور العاملين به إلى يوم القيامة.
(شيئا) أي نحوا من أنحاء النقصان أو بشيء يعني ليس المراد بقولنا: فله أجر من عمل به أن اجور العاملين كلها أو بعضها يكتب في ديوان حسنات ذلك المعلم، وأنه يستحق باجورهم دونهم كيف وقد اقتضت الحكمة الإلهية أن لا يضيع عمل عامل؟ بل المراد أن له بسبب إرشادهم وهدايتهم الذي هو عمله مثل أجر العامل ولهم اجورهم كمالا من غير نقصان أصلا.
(ومن علم باب ضلال كان عليه مثل أوزار من عمل به) إلى يوم القيامة فيجتمع عليه أوزار متراكمة ظلمات بعضها فوق بعض وتحتجب بذلك نفسه الشريرة عن ساحة عزة الحق وقبول رحمته فوق احتجاب التابعين له، وليس ذلك ظلما; لأنه مستند إلى عمله وهو إضلاله وإغواؤه لخلق الله، وإنما أفرد الأجر وجمع الوزر للتنبيه على قلة التابعين للهدى وكثرة التابعين للضلالة; لأن نفوس أكثر الناس لكونها فاقدة للقوة الفكرية تابعة للقوة الغضبية والشهوية كانت مائلة إلى الضلالة هاربة عن الهداية.
(ولا ينقص اولئك من أوزارهم شيئا) قال الله تعالى: (ومن يعمل مثال ذرة شرا يره)، وقال: (ولا تزر وازرة وزر اخرى)، فالعاملون يحملون أوزارهم كاملة ومعلمهم يحمل وزره ومثل أوزارهم لإضلاله إياهم، قيل في قوله تعالى: (وليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم) دلالة على أنه ينقص اولئك من أوزارهم شيئا; لأن «من» للتبعيض، واجيب: بأنا لا نسلم أن من للتبعيض بل لبيان الجنس، سلمنا لكن المراد بعض أمثال أوزار التابعين لا بعض أعيان أوزارهم.
لا يقال: هذا المضل ظالم للتابعين بسبب إضلالهم، وقد ثبت في الأخبار أن حسنات الظالم تنقل إلى ديوان المظلوم وسيئات المظلوم إلى ديوان الظالم.
لأنا نقول: هذا حيث كان للمظلوم حق في ذمة الظالم، وما نحن فيه ليس من هذا القبيل; لأن التابع ظلم نفسه بسب اتباعه للمضل والمضل ظلم نفسه بسبب إضلاله، فكل واحد منهما يحمل وزر عمله.
وفي هذا الحديث فوائد:
الأول: أن للمعلم مثل أجر العامل بما علمه، وإن لم يكن للمعلم عمل فيه; لأنه سبب للعمل به.
الثاني: أن له مثل ذلك الأجر، سواء نوى الاقتداء به أو لا.