شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٢ - الصفحة ٤٩
القدسية الغائبة عن الأبصار (1) وبأجنحتها قواها العملية على سبيل التشبيه بأجنحة الطيور التي بها يقع الطيران إلى فوق وبوضعها بسطها انقيادا لطالب العلم ليركبها وينتقل بها إلى عالم التوحيد وعالم المعارف.
(وإنه يستغفر) أي يطلب من الله ستر الزلات وعفو الخطيئات.
(لطالب العلم) وضع الظاهر موضع الضمير محبة لذكرهم وتصريحا بشرفهم، وبما هو باعث للاستغفار.
(من في السماء ومن في الأرض حتى الحوت في البحر) لفظ «من» هنا ليس مختصا بذوي العقول على ما يقتضيه الوضع، بل يعم كل ذي حياة من باب التغليب بقرينة ذكر الحوت، وإنما ذكر الحوت بعد حتى (2) لبعد المناسبة المقتضية للاستغفار بينه وبين العالم في الطبيعة والتحيز والرية والتنفس، والمناسبة بينهما بمجرد الروح الحيواني، بخلاف المناسبة بين العالم ومن في السماء فإنها باعتبار القوة الروحانية والتجرد (3)، وبينه وبين من في الأرض فإنها بهذا الاعتبار وباعتبار الاشتراك في الروح الحيواني والطبيعة والتحيز أيضا، وإنما يستغفرون لطالب العلم; لأنه سالك لطريق الحق طالب للقرب منه والقيام بين يديه والذنوب من أعظم الأغلال والقيود المانعة من الحركة إليه فينصره الله بجنوده ويبعثهم لمدده بالاستغفار الموجب لفك هذه القيود والأغلال، أو لأنه من أحب المحبوبين له تعالى فيلقي محبته في قلوب خلقه فيطلبون غفران ذنوبه; لأنه أهم للطالب إذ من غفر الله له وجب له الجنة ومقام القرب، أو لأن هذا العالم على اختلاف أجزائه وتفاوت ميلها إلى حضرة القدس بمنزلة شخص واحد أجزاؤه مرتبط بعضها ببعض فإذا تحرك طالب العلم الذي هو أشرف أجزائه إلى حضرة الباري يستشعر به الباقي بحكم الارتباط (4) فيطلبون

١ - ظاهر هذا الكلام لا يطابق ما يتبادر إلى الذهن من الملائكة، فإن النفس الناطقة ليست ملكا في إطلاق اللفظ وإن كان مثله في التجرد والغيبوبة عن الأبصار، إلا أن يراد كون النفس متصلا بالملائكة نحوا من الاتصال واتحاده بهم نوعا من الاتحاد كشعاع الشمس للشمس، ومعنى كون طالب العلم على أجنحة الملائكة استعانته بهم في الطيران إلى عالم الملكوت بالتوفيق والتأييد وإلهام الغوامض والنفس تطير بجناج الملك في عوالم العقول والمجردات. (ش) ٢ - كلمة «حتى» تدل على أن الحوت أبعد من الاستغفار; لأن كل حيوان له صوت يمكن أن يتصور له الاستغفار في صوته، والحوت لا صوت له. (ش) ٣ - أراد الشارح بالسماء هنا العالم الروحاني والمجردات ومن في السماء الذين يسكنون ذاك العالم وهم العقول والملائكة المقربون. (ش) ٤ - نظير بدن الإنسان المركب من أعضاء مختلفة لكل واحد منها قوة خاصة به كالمعدة لجذب الغذاء والكلية لدفع السموم، ومع ذلك إذا عرض لواحد من الأعضاء آفة أو مرض توجه سائر الأعضاء إليه وعمل ما يوافق مصلحته، وإذا عاد إلى الصحة حسن حال كل واحد واستراحوا إلى فعلهم، وكذا العالم كله لارتباط بعضه ببعض، ونسبة أفعال العقلاء إلى الجماد والحيوانات العجم غير عزيز تكرر مثله في القرآن العزيز والأحاديث وكتب الحكماء وغيرها، مثلا قال أبو علي سينا: الطبيعة تتوخى النوع وتريد بقاءه بتلاحق الأفراد وغيره كثيرا، وقال: العلة الغائية أعرف عند الطبيعة من المعلول. (ش)
(٤٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 ... » »»
الفهرست