شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٢ - الصفحة ٤٨
المطلوب ومقدماته وصرف الفكر فيها، ومنها الرجوع في أخذه إلى العالم الرباني ولو بواسطة.
(سلك الله به طريقا إلى الجنة) الباء للتعدية، أي أدخله الله في طريق يوصل سلوكه إلى الجنة، والمراد أن السلوك والعبور في طريق العلم سلوك وعبور في طريق الجنة ادعاء لكمال الأول في السببية حتى كأنه صار نفس المسبب، أو المراد أن من سلك في الدنيا طريق العلم سلك في الآخرة طريق الجنة، بيان الشرطية أن سلوك طريق الجنة لا يمكن بدون العلم وبكيفية سلوكه; إذ سلوكه يتوقف على امور وأسباب وأعمال لا يمكن تحصيلها بدون العلم بها، وأيضا كما أن طرق الدنيا متعددة بعضها طريق الهداية، وبعضها طريق الضلالة كذلك طرق الآخرة متعددة بعضها طريق الجنة وبعضها طريق النار، والمتعلم لما كان مشيه في الدنيا في طريق الهداية كان مشيه في الآخرة طريق الجنة، وغير المتعلم لما كان مشيه في الدنيا في طريق الضلالة كان مشيه في الآخرة في طريق النار، كما قال سبحانه: (ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى)، وأيضا كما أن لله تعالى جنة ونارا في الآخرة كذلك له جنة ونار في الدنيا كل واحدة منهما في سمت جنسها وليس بينهما إلا حجاب يمنع من المشاهدة لهذه العيون الكليلة يرحم ويعذب بهما من عباده من يشاء في الدنيا والآخرة، وجنته الدنيوية هي العلم إذ الجنة ما تلتذ به النفس ولا ينكره العقل والنقل ولا لذة فوق لذة العلوم الربانية والمعارف الإلهية، والنار الدنيوية هي الجهل لأن النار ما يتألم به النفس ويستكرهه العقل ولا ألم فوق ألم الجهل، فمن سلك طريق الجنة الدنيوية يقال له بعد انقضاء أجله:
اسلك طريق الجنة الاخروية; لأنك تعودت باللذات ومن سلك طريق النار الدنيوية يقال له بعد انقضاء مدته: اسلك طريق النار الاخروية; لأنك تعودت بالآلام، بل لا يرى الأول نفسه بعد انقضاء الأجل وزوال الحجاب إلا عند باب الجنة الاخروية، والثاني لا يرى نفسه إلا عند باب النار الاخروية، ثم الفوز بهذا المطلب العظيم والتنعم المقيم مشروط بخلوص النية في تحصيل العلوم عن الأغراض الدنياوية وهو أمر مشكل سيما للمبتدئ والله المستعان.
(وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا به) أي لأجل رضائها به. قال ابن الأثير: تضعها لتكون وطاء له إذا مشى، وقيل: هو بمعنى التواضع له تعظيما لحقه، وقيل: أراد بوضع الأجنحة نزولهم عند مجالس العلم وترك الطيران، وقيل: أراد به إظلالهم بها، انتهى.
وقال بعض أصحابنا: أراد بالملائكة النفس الناطقة; لأن لفظ الملائكة يطلق على الجواهر
(٤٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 ... » »»
الفهرست