(فقال: وما العلامة؟) يحتمل أن يكون «ما» هنا لطلب شرح الاسم; لأن مفهوم العلامة له أفراد كثيرة باعتبار تعدد فنون العلم، فلم يعلم أن مرادهم من العلامة أي فرد منها، فاحتيج إلى السؤال ليعلم مرادهم.
(فقالوا) لتفسير المقصود من بين تلك الأفراد وتعيينه.
(أعلم الناس بأنساب العرب ووقائعها وأيام الجاهلية) أي أيام الوقائع الجاهلية أو أيام أزمنتها أو نحو ذلك، ولو كانت أيام معرفة باللام لما احتيج إلى هذا التقدير.
(والأشعار والعربية) وفي بعض النسخ «والأشعار العربية» على الوصف بدون الواو، ويحتمل احتمالا ظاهرا أن يكون «ما» هنا لطلب الحقيقة ويكون المقصود من السؤال الاستكشاف عن حقيقة كون ذلك الرجل علامة، والجواب حينئذ ظاهر الانطباق عليه.
لا يقال: المناسب هاهنا السؤال عن سبب كونه علامة لا عن حقيقة كونه علامة، فالمناسب إيراد كلمة لم بدل «ما» بأن يقال: لم هو علامة؟
لأنا نقول: لا نسلم أن المناسب ذلك; لأنهم لما وصفوه بأنه علامة فقد ذكروا أن السبب هو العلم الموصوف بالكثرة والزيادة، والمناسب حينئذ السؤال عن حقيقة العلامة ليعلم هل علموا حقيقته في إطلاقه على ذلك الرجل أم لا؟ ولو سلم فلا ريب أن السؤال عن حقيقته أيضا يناسب في الحصر غير معقول، والحق أن السؤال ههنا عن كل واحد منهما صحيح، وأن الجواب الصحيح عن كل واحد من السؤالين مستلزم للجواب عن الآخر مثلا إذا قيل: فلان ضارب صح أن يقال: لم هو ضارب؟ كما صح أن يقال: ما الضارب؟ فإن اجيب عن الأول بقيام الضرب به علم منه حقيقة الضارب أيضا بأنه الذي يقوم به الضرب، وإن اجيب عن الثاني بأنه الذي يقوم به الضرب علم سبب إطلاق الضارب عليه، وهو اتصافه بالضرب، وإن اجيب عنهما بغير ذلك مما لا يصح وجب تنبيه المجيب على خطئه كما فيما نحن فيه فإنهم أخطأوا وأجابوا عن السؤال المذكور بأنه أعلم الناس بالامور المذكورة، زعما منهم أن للامور المذكورة مدخلا في كونه علامة، ولذلك نبههم على الخطأ.
(قال: فقال النبي (صلى الله عليه وآله): ذاك علم لا يضر من جهله ولا ينفع من علمه) في الآخرة، وإنما ذاك نوع فضيلة يصطاد به الحطام ويكتسب به صرف قلوب العوام، وما هذا شأنه لا يعتد به ولا يعد صاحبه علامة.
(ثم قال النبي (صلى الله عليه وآله)) إرشادا لهم إلى العلم الذي يضر جهله يوم المعاد، وينفع يوم يقوم فيه الأشهاد ويصح أن يقال لصاحبه: علامة لوجود حقيقة هذا الاسم وجبت إطلاقه فيه.
(إنما العلم) أي الذي يستحق إطلاق اسم العلم عليه وينفع في الدين والدنيا.