شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٢ - الصفحة ٢٤٦
بالكسر أيضا بمعنى عاش، وفي أكثر نسخ نهج البلاغة غار بالغين المعجمة وتشديد الراء، وفي بعضها عاد بالعين المهملة والدال المهملة المكسورة المنونة. والغرة بكسر الغين المهملة الغفلة والغار الغافل والعادي الساعي، والكل متقاربة في المقصود. وفي الكلام استعارة مكنية وتخييلية.
(قد سماه أشباه الناس عالما) والمراد بأشباه الناس أصحاب الجهالة وأرباب الضلالة وهم الذين يشبهون الناس بالصورة الظاهرة الحسية التي يقع بها التمايز عن سائر الصور البهيمية دون الصور الباطنة الظاهرة الحسية التي يقع بها التمايز عن سائر الصور البهيمية دون الصور الباطنة العقلية التي يقع بها التشابه بالصور الملكية وهي تحلي النفس بصور العلوم الحقيقية والمعارف اليقينية والأخلاق والأعمال المرضية وهؤلاء الأشباه لفقد بصائرهم وظلمة ضمائرهم وبعدهم عن التفكر في الامور وإدراك حقائقها وعواقبها ينخدعون بتمويه ذلك الرجل وتلبسه بزي العلماء ويعتقدون أنه عالم، وأما الناس العالمون الآخذون بزمام ملكات العلوم والمعارف فيعلمون لمباشرة مكالمته ومشاهدة مخادعته أول وهلة أنه بعيد عن رتبة الفضيلة والكمالات، مندرج في سلك سائر الحيوانات بل هو أخس منها لإبطاله استعداد قوته الفكرية لكسب العلوم والفضائل باكتساب الملكات الردية والرذائل، وإنما عد هذه التسمية من الصفات الذميمة له مع أنها من فعل أشباه الناس لأنه سبب لهذه التسمية بتشبيه نفسه بالعلماء وظهوره بصورتهم وتكلمه بكلامهم من غير علم فصار فتنة لنفسه ولغيره.
(ولم يغن فيه يوما سالما) لم يغن بفتح الياء والنون وسكون الغين المعجمة، أي لم يعش أو لم يقم.
وفي النهاية الأثيرية في حديث علي (عليه السلام): «سماه الناس عالما ولم يغن في العلم يوما سالما»، أي لم يلبث في العلم يوما تاما من قولك: غنيت بالمكان إذا أقمت به، انتهى.
أقول: هذا كناية عن بعده من العلم على وجه المبالغة، فإن حصول العلم لأمثاله متوقف على تلبث في التحصيل وطول ملازمة للاستاذ وصرف الفكر فيه ليلا ونهارا، وفي كثير من الأزمان والدهور، فإذا انتفت هذه الامور انتفى العلم فكيف إذا التقى التلبث به يوما تاما؟
(بكر فاستكثر، ما قل منه خير مما كثر) البكرة والبكور الصباح، وبكر وبكر بالتخفيف والتشديد إذا دخل فيه، وكثيرا ما يستعملان في المبادرة والاسراع إلى شيء في أي وقت كان، ومنه بكروا بصلاة المغرب أي صلوها عند سقوط القرص، وابتكر الخطبة أي أدرك أولها، وبكر في الصلاة أي صلاها في أول وقتها، و «ما» موصولة أو موصوفة بمعنى شيئا، وما بعدها صفة لها، و «قل» مبتدأ بتقدير أن، و «خير» خبره مثل «تسمع بالمعيدي خير من أن تراه»، أو صلة لموصول مقدر، أي فاستكثر ما الذي قل، والمعنى أنه أسرع وبادر في كل صباح أو في أول العمر وابتدأ الطلب إلى
(٢٤٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 241 242 243 244 245 246 247 248 249 250 251 ... » »»
الفهرست