شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٢ - الصفحة ٢٥٢
وعذاب الآخرة، وفي الاعتراف بالجهل منافع كثيرة وهو أحد العلمين، ولهذا قيل: لا أدري نصف العلم.
(ولا يعض في العلم بضرس قاطع فيغنم) هذا كناية عن عدم نفاذ بصيرته في العلوم وعدم إتقانه للقوانين الشرعية (1) لينتفع بها انتفاعا تاما. يقال: فلان لم يعض على الامور بضرس قاطع إذا لم يحكمها ولم يتقنها، وأصله أن الإنسان يمضغ الطعام الذي هو غذاء البدن ثم لا يجيد مضغه لينتفع به البدن انتفاعا تاما فمثل به من لم يحكم ولم يتقن وما يدخل فيه من المعقولات التي هي غذاء الروح لينتفع به الروح انتفاعا كاملا.
وحاصل الفقرتين أنه لا يعترف بالجهل ليسلم عن الحكم من غير علم ولا له بضاعة في المعارف ليكون على بصيرة فيها ومحصولهما أنه متلبس بالآفات متعرض للقضاء والفتاوى بالشبهات.
(يذري الروايات ذرو الريح الهشيم) ذراه وأذراه ذروا وإذراء إذا طيره وقلبه من حال إلى حال، والهشيم النبت اليابس المنكسر، وفيه تشبيه تمثيلي ووجه التشبيه صدور فعل بلا روية من غير أن يعود إلى الفاعل نفع وفائدة، فإن هذا الرجل المتصفح للروايات ليس له بصيرة بها ولا روية في تصفحها ولا شعور بوجه العمل بها بل هو يمر على رواية بعد اخرى ويمشي عليها من غير فائدة وانتفاع كما أن الريح التي تذري الهشيم لا شعور لها بفعلها ولا يعود إليها من ذلك الفعل نفع (2)

1 - لا ريب أن العالم يجب أن يكون متيقنا بصحة ما يفتي به، إما بأن يكون موافقا للواقع، أو موافقا لما هو مكلف بمتابعته، وإذا تبع الروايات التي لا يحصل له منها العلم بالواقع لاحتمال الدس والخطأ والغلط ولم يكن له دليل على حجيتها والتعبد بصحتها ظاهر أو إن كان خلاف الواقع فليس لهذا الرجل ضرس قاطع ولكن يذري الروايات ذرو الريح الهشيم. (ش) 2 - بل يعود منها الضرر; لأن تشخيص الصحيح منها والسقيم وما يعمل به وما لا يعمل ثم مفادها ومعناها، والجمع بين ما ظاهره التناقش مما لا يقدر عليها إلا من له ضرس قاطع ولا يذري الروايات ذرو الريح; إذ يوجب منه طرد روايات صحيحة والعمل بروايات سقيمة و ربما يوجب شيوع الضعاف بين الناس وتمكنها في قلوبهم أن يظن أنها من البدن ويصعب الأمر ويضل به الناس ويطعن الزنادقة في الأنبياء والأئمة; لأنهم يرون هذه الأباطيل منسوبة إليهم ولو ادعى أحد أن مروق جماعة من الدين وشك طائفة في صدق النبيين (عليهم السلام) في هذه الأواخر ليس إلا لشيوع الروايات الضعيفة منذ أواخر عهد الصفوية بين الناس لم يكن مجازفا خصوصا بعد ما اشتهر من الإخباريين أن جميع الروايات صادرة عن الأئمة حقيقة وأنه لا يجوز رد شيء منها ولم يكن غرضهم إلا خدمة الدين وتعظيم شأن الحديث إلا أن غلوهم فيه انتج عكس المطلوب، وقد ذكر الغزالي في كتاب تهافت الفلاسفة أنه «لا يجوز لعلماء الدين رد ما ثبت في العلوم التعليمية، فإن من ثبت ذلك عنده ولا يشك فيه بل يخبر بمثل الكسوف والخسوف من قبل مبنيا على كونهما من آثار حركات الكواكب وحيلولة بعضها لبعض إذا قلت له: ليس هذا الذي تعتقده من الدين لم يشك في علمه بل شك في الدين. (ش)
(٢٥٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 247 248 249 250 251 252 253 254 255 256 257 ... » »»
الفهرست