شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٢ - الصفحة ٢٥٩
(من نظر برأيه هلك) أي من نظر برأيه وقال بالقياس واعتمد عليه وعمل به هلك لبعده عن دين الحق واستحقاقه لعذاب الأبد، وهذا تعليل للنهي السابق، وكذا المعطوفات عليه; إذ كما أن النظر بالرأي بدعة توجب الهلاك كذلك ترك طريق الحق بدعة توجبه، والفرق بينهما: أن الأول يستلزم الثاني دون العكس لإمكان أن لا يسلك رجل طريق الحق ولا يعمل بالرأي أصلا بأن يكون ساكتا.
(ومن ترك أهل بيت نبيه (صلى الله عليه وآله) ضل) أي من تركهم ولم يأخذ بقولهم ولم يرجع إليهم في المعارف الدينية والمسائل الشرعية، اصولا كانت أو فروعا ضل عن سبيل الحق والصراط المستقيم لعدوله عنه.
(ومن ترك كتاب الله وقول نبيه كفر) أي من ترك أحكام الكتاب وما فيه وقول النبي وما جاء به وجوز مخالفتهما كفر بالله وبرسوله وخرج عن دين الحق، وفي القائس جميع ذلك، وإنما حكم على التارك الأول بأنه ضال، وعلى الثاني بأنه كافر لأن الأول معترف بأن هنا طريقا حقا وهو دينه (صلى الله عليه وآله)، إلا أنه ضل عنه بمفارقة أهل بيته الهادين إليه، والثاني منكر لدين الحق بالكلية فهو كافر بالله وبكتابه ونبيه. وفيه رد على من قال من الفرق المبتدعة: إن الأحكام الشرعية العامة اصولا كانت أو فروعا إنما يحكم بها على العامة والأغبياء، وأما الأذكياء والعلماء وأهل الخصوص فلصفاء قلوبهم من الأكدار وخلوها من الأغيار تتجلى لهم العلوم الإلهية والحقائق الربانية فيقفون على أسرار الكائنات ويعلمون أحكام الجزئيات فيستغنون بها عن أحكام الشرع الكليات وهذه بدعة وضلالة لما علم من الشرائع، فإن الله سبحانه أجرى سنته وأنفذ حكمته بأن أحكامه لا تعلم إلا بواسطة الرسل (عليهم السلام) السفرة بينه تعالى وبين خلقه كما قال تعالى: (كان الناس امة واحدة فبعث الله النبيين...) الآية، وغير ذلك من الآيات الدالة على إرسال الرسل (عليهم السلام).
وعلى الجملة: فقد علمنا قطعا أنه لا طريق لمعرفة الأحكام إلا من جهة الشرع والسماع من الشارع، فمن قال: إن هنا طريقا آخر يعرف به أمره تعالى ونهيه وأحكامه فهو ضال مضل ثم هو قول بإثبات نبي بعده (صلى الله عليه وآله).
بيان ذلك: أن من قال: إنه يأخذ الأحكام من رأيه وإنه يجد أحكامه تعالى بمجرد عقله وتصرفاته وإنه يجوز له العمل بمقتضاه وإنه لا يحتاج في ذلك إلى ما يدل عليه صريحا من كتاب وسنة وقول إمام فقد أثبت لنفسه النبوة، وهو مثل قوله (صلى الله عليه وآله): «إن روح القدس نفث في روعي»، وقد نقل بعض المنحرفين المتظاهرين بالدين أنه قال: لا آخذ عن الموتى وإنما آخذ عن الحي الذي لا يموت، وإنما أروي عن قلبي عن ربي. وأنا أسأل الله الهداية والدراية ونعوذ به من الضلالة والغواية.
(٢٥٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 254 255 256 257 258 259 260 261 262 263 264 ... » »»
الفهرست