شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٢ - الصفحة ٢٥٠
ويفتون بتحريم الخوض فيها وتكفير من يتعلمها وهم غافلون عن أن أحدهم لا يستحق أن يكون فقيها إلا أن يكون له مادة من العلم العقلي المتكفل ببيان صدق الرسول (صلى الله عليه وآله) وإثبات النبوة التي لا يقوم شيء من الأحكام الفقهية التي يدعون أنها كل العلم إلا بعد ثبوتها، ولعل المقصود من هذا القول وحمله كلامه (عليه السلام) على هذا المعنى هو التنبيه على أن هذا الرجل مع خبطه في الأحكام الشرعية واعتقاده أن العلم المتعلق بها هو الذي قمشه من رأيه ينكر العلوم المتعلقة بغيرها من اصول العقائد (1)، وذلك أبلغ في لومه لأنه ازداد جهلا على جهل والله أعلم.
(ولا يرى أن وراء ما بلغ فيه مذهبا) يعني أنه إذا ظن حكما في قضية برأيه أو بخبر مغشوش بلغه جزم به، وربما كان فيها لغيره قول أصح وأظهر من قوله يعضده دليل صحيح ونص صريح فلا يعتبره لكمال جهله ويمضي على ما بلغ فهمه إليه، وذلك إما لبلادة طبعه فلا يفرق بين الصحيح والسقيم أو لحفظ مرتبته من النقص بالرجوع عن مذهبه إلى ذلك المذهب الصحيح والحق الصريح.
(إن قاس شيئا بشيء) في أمر لأمر مشترك يقتضيه على زعمه.
(لم يكذب نظره) لظنه أن ما اخترعه وهمه ومال إليه طبعه حق فيصر عليه ولا يرجع عنه، وإن نبه على خطئه.
(وإن أظلم عليه أمر اكتتم به لما يعلم من جهل نفسه، لكيلا يقال له: لا يعلم) أظلم على البناء للفاعل، يقال: أظلم الليل أي صار مظلما، ولما يعلم علة للاكتتام ومن بيان «لما» و «كيلا» يقال: علة لغلبية العلم بالجهل للاكتتام يعني إن صار عليه أمر من امور الدين مظلما مشتبها لا يدري وجه الحق فيه ولا وجه الشبهة أيضا اكتتم به وستره عن غيره من أهل العلم وسبب الاكتتام أنه عالم بأنه جاهل بذلك الأمر من كل وجه حتى من وجه الشبهة والرأي فيستره ويخفيه ويعرض عن استماعه ويسكت عنه لئلا يقال: إنه لا يعلمه فيحفظ بذلك علو منزلته بين الناس، ولذلك الوجه لا يسئل أهل العلم عنه حتى يستفيد منه، وما أخبر به (عليه السلام) أمر مشاهد، فإن كثيرا من القضاة والحكام وعلماء السوء يكتتمون ما يشكل عليهم أمره من المسائل ويتغافلون عن سماعها إذا وردت عليهم ولا يسألون عنها لئلا يظهر جهلهم بين أهل الفضل مراعاة لحفظ المنزلة والمناصب.

1 - ذكرنا في مقدمة المجلد الأول: أن الشارح (رحمه الله) كان جامعا بين المعقول والمنقول مع عناية بالمعقول أشد، وكان في أكثر أمر متبعا لطريقة صدر المتألهين وصاحب الوافي (قدس سرهما)، وما نقله من إنكار جماعة من الظاهريين العلوم العقلية وتكفير من يتعلمها فهو مصيبة ابتلى بها المسلمون في أكثر الأزمنة لإغواء الشيطان حتى يسيىء صورة الدين في أنظار الملاحدة وثبط العلماء عن التجهيز لدفع شبهاتهم وعن تأييد مبادئ
(٢٥٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 245 246 247 248 249 250 251 252 253 254 255 ... » »»
الفهرست