جمع شيء فاستكثر شيئا قليل منه خير من كثيره.
والمراد بذلك الشيء إما زهرات الدنيا وأسبابها، ويؤيده حصول زيادة الارتباط بما قبله يعني لم يطلب العلم، ولكن طلب أسباب الدنيا التي قليلها خير من كثيرها، هذا إن جمعها على وجه الحلال وإلا فلا خير فيها أصلا.
وأما الآراء الفاسدة والعقائد الباطلة والشبهات التي أخذها من أفواه الرجال أو بالقياس أو بغير ذلك من طرق الجهالات التي قليلها خير من كثيرها، وباطلها أكثر من حقها، ويؤيده حصول زيادة الارتباط بما بعده. وعلى التقديرين فيه تنبيه على غاية بعده عن الحق والعلم لرسوخ الباطل في طبعه الدني وثبوته في ذهنه الشقي.
(حتى ارتوى من آجن) روي من الماء بالكسر وارتوى امتلأ من شربه، والآجن الماء المتعفن، وفي المغرب: ماء آجن وأجن إذا تغير طعمه ولونه غير أنه شروب، وقيل: تغيرت رائحته من القدم، وقيل: غشيه الطحلب والورق، وقد شبه آراءه الفاسدة وأفكاره الباطلة وعلومه المغشوشة بظلم الجهالة والشبهات بالماء المتعفن في عدم خلوصه وصفائه، أو في عدم النفع والغناء فيه للشارب واستعار لفظ الآجن الموضوع للمشبه به ورشح تلك الاستعارة بذكر الارتواء كما يشبه العلوم الحقيقية والمعارف اليقينية الخالصة عن الشبهات بالماء الصافي الزلال.
(واكتنز من غير طائل) الاكتناز من الكنز، يقال: كنز المال كنزا جمعه من باب ضرب، واكتنز الشيء اكتنازا اجتمع وامتلأ، وكل مجتمع مكتنز. وفي بعض النسخ: «أكثر» من الكثرة خلاف القلة، وأما أكنز من باب الأفعال من الكنز بالنون واكتثر من الاكتثار بالثاء المثلثة فلم يثبت مجيئهما في بعض النسخ، ولا في اللغة، ولا بد في الأول من تقدير الفاعل والعائد إلى الموصوف أي اكتنز له الشبهات، والطول النفع والفائدة، يعني اجتمع له كثير من الشبهات والعلوم المغشوشة بالجهالة والتخيلات التي لا أصل لها ولا نفع ولا فائدة فيها.
وقيل: المقصود أنه اجتمع له أسباب الدنيا وأموالها وفي الكلام لف ونشر بأن يكون قوله: «قمش جهلا - إلى قوله: - سالما» إشارة إلى ما له وأسبابه الدنيوية ويكون قوله: «إذا ارتوى من آجن» ناظرا إلى الأول، وقوله: «واكتنز من غير طائل» ناظرا إلى الثاني، انتهى.
وفيه: أن حمله على هذا المعنى لا يناسب الجزاء، والمعطوف على الشرط ينبغي أن يكون مثله في مناسبه للجزاء واقتضائه له.
(جلس بين الناس قاضيا) أي حاكما جزاء للشرط وغاية له.
(ضامنا لتخليص ما التبس على غيره) لوثوقه من نفسه الحائرة في ظلمة الضلالة بفصل ما