شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٢ - الصفحة ١٣٧
الفرقة الذي لها في العالم الجسماني إلى مقام الشوق إلى الوصول بقرب الحق وحضرة القدس ومن مقام الشوق إلى مقام العزم في السير إليه، ومن مقام العزم إلى مقام تهيئة الآلات والأعضاء والجوارح وتحريكها نحو الأعمال الموجبة للقرب واشتغالها بها، فالمعرفة إذن دليل على العمل، ومنه يظهر سر قول الكاظم (عليه السلام): «كثير العمل من أهل الأهواء والجهل مردود» (1); لأن من أراد الوصول إلى مقام خفي الآثار بلا دليل كان خطؤه أكثر من الصواب.
(ومن لم يعمل فلا معرفة له) لأن العارف أي الذي حصل له شيء من المعرفة ويظن أنه عارف إذا لم يعمل كان ذلك لعدم رسوخ تلك المعرفة وعدم استقرارها في نفسه لما عرفت أن المعرفة الراسخة دالة باعثة على العمل، فإذا انضاف إليه اتباعه للنفس الأمارة وهواها واقتفاؤه للقوة الشهوية والغضبية وسائر القوى الحيوانية ومقتضاها زالت عنه تلك المعرفة الناقصة الغير المستقرة بالكلية لظلمة نفسه وكدورة طبعه وسواد ذهنه.
ويحتمل أيضا أن العمل مصقلة للذهن وسبب لصفائه ونورانيته فهو معد لحصول معرفة اخرى فيه أكمل وأفضل من المعرفة الباعثة على العمل، فمن لم يعمل لم يكن له تلك المعرفة الكاملة وهذه العبارة مع قوله: «لا يقبل الله عملا إلا بمعرفة» تفيد أن العلم والعمل متلازمان لا ينفك أحدهما عن الآخر، كما يشعر به أيضا قول الصادق (عليه السلام): «العلم مقرون بالعمل، فمن علم عمل ومن عمل علم» (2).
(ألا إن الإيمان بعضه من بعض) لأن الإيمان مركب من المعرفة والعمل، أعني التصديق بالجنان والإقرار باللسان والعمل بالأركان (3)، كما دل عليه بعض الروايات، وهو الشائع في ألسنة الشرع.
وقد تقرر أن المعرفة باعثة على العمل، والعمل معد لحصول معرفة اخرى أكمل وأفضل، فالعمل من المعرفة وهكذا يتدرجان إلى أن يبلغ أقصى مراتب الإيمان وأيضا المعرفة سبب من أسباب تحقق العمل وحدوثه، والعمل سبب من أسباب بقاء المعرفة واستقرارها، فقد ظهر على التقديرين أن الإيمان بعضه من بعض، ويحتمل أن يكون معناه أن الإيمان بعضه الذي هو العمل من بعضه الذي هو المعرفة المقتضية له، ثم تتفاوت الأعمال بحسب تفاوت المعرفة، فأدنى مراتبها يدل على أدنى مراتب العمل، وأعلاها على أعلى مراتبه، والمتوسطات متوسطات في الدلالة

١ - تقدم في كتاب العقل في حديث هشام بن الحكم، تحت رقم 12.
2 - سيأتي في باب استعمال العلم، تحت رقم 1.
3 - الإيمان كما صرح به علماؤنا هو نفس الاعتقاد، كما مر في المقدمة، والاقرار باللسان علامة، والعمل بالأركان نتيجة له. والمراد هنا الإيمان الظاهر الكامل، أما الزيادة والنقصان في الإيمان فباعتبار تأثيره في العمل. (ش)
(١٣٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 131 132 133 135 136 137 138 139 140 141 142 ... » »»
الفهرست