واعلم أنه لا خير في علم لا ينفع ولا ينتفع بعلم حين لا يقال به. (1) أي بني إني لما رأيتك قد بلغت سنا (2) ورأيتني أزداد وهنا بادرت بوصيتي إياك خصالا منهن أن يعجل بي أجلي (3) دون أن أفضي إليك بما في نفسي أو أنقص في رأيي كما نقصت في جسمي، أو يسبقني إليك بعض غلبات الهوى وفتن الدنيا فتكون كالصعب النفور (4)، وإنما قلب الحدث كالأرض الخالية ما القي فيها من شئ قبلته فبادرتك بالأدب قبل أن يقسو قلبك ويشتغل لبك لتستقبل بجد رأيك من الامر ما قد كفاك أهل التجارب بغيته وتجربته (5) فتكون قد كفيت مؤونة الطلب وعوفيت من علاج التجربة فأتاك من ذلك ما قد كنا نأتيه واستبان لك منه ما ربما أظلم علينا فيه (6).
أي بني إني وإن لم أكن عمرت عمر من كان قبلي فقد نظرت في أعمالهم و فكرت في أخبارهم وسرت في آثارهم حتى عدت كأحدهم، بل كأني بما انتهى إلى من أمورهم قد عمرت مع أولهم إلى آخرهم فعرفت صفو ذلك من كدره ونفعه من ضره، فاستخلصت لك من كل أمر نخيله وتوخيت لك جميله (7) وصرفت عنك