غفلتهم، استقبلوا مدبرا واستدبروا مقبلا، فلم ينتفعوا بما أدركوا من أمنيتهم ولا بما نالوا من طلبتهم ولا ما قضوا من وطرهم وصار ذلك عليهم وبالا فصاروا يهربون مما كانوا يطلبون (1).
وإني أحذركم هذه المزلة وآمركم بتقوى الله الذي لا ينفع غيره فلينتفع بنفسه إن كان صادقا على ما يجن ضميره (2) فإنما البصير من سمع وتفكر ونظر وأبصر، وانتفع بالعبر وسلك جددا واضحا (3) يتجنب فيه الصرعة في المهوى ويتنكب طريق العمى ولا يعين على فساد نفسه الغواة بتعسف في حق أو تحريف في نطق أو تغيير في صدق ولا قوة إلا بالله.
قولوا ما قيل لكم وسلموا لما روي لكم ولا تكلفوا ما لم تكلفوا فإنما تبعته عليكم فما كسبت أيديكم ولفظت ألسنتكم أو سبقت إليه غايتكم واحذروا الشبهة فإنها وضعت للفتنة واقصدوا السهولة واعملوا فيما بينكم بالمعروف من القول والفعل واستعملوا الخضوع واستشعروا الخوف والاستكانة لله. واعملوا فيما بينكم بالتواضع والتناصف والتباذل (4) وكظم الغيط، فإنها وصية الله. وإياكم والتحاسد والاحقاد، فإنهما من فعل الجاهلية " ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون (5) ".
أيها الناس اعلموا علما يقينا أن الله لم يجعل للعبد وإن اشتد جهده وعظمت حيلته وكثرت نكايته أكثر مما قدر له في الذكر الحكيم ولم يحل بين المرء على ضعفه وقلة حيلته وبين ما كتب له في الذكر الحكيم. أيها الناس إنه لن يزداد امرؤ نقيرا بحذقه (6) ولن ينتقص نقيرا بحمقه، فالعالم بهذا العامل به أعظم الناس راحة في منفعة.