والتارك له أكثر الناس شغلا في مضرة. رب منعم عليه في نفسه مستدرج بالاحسان إليه. ورب مبتلى عند الناس مصنوع له (1). فأفق أيها المستمتع من سكرك وانتبه من غفلتك وقصر من عجلتك (2) وتفكر فيما جاء عن الله تبارك وتعالى فيما لا خلف فيه ولا محيص عنه ولابد منه، ثم ضع فخرك ودع كبرك واحضر ذهنك واذكر قبرك ومنزلك، فإن عليه ممرك وإليه مصيرك. وكما تدين تدان (3). وكما تزرع تحصد. وكما تصنع يصنع بك. وما قدمت إليه تقدم عليه غدا لا محالة. فلينفعك النظر فيما وعظت به. وع (4) ما سمعت ووعدت، فقد اكتنفك بذلك خصلتان ولابد أن تقوم بأحدهما: إما طاعة الله تقوم لها بما سمعت وإما حجة الله تقوم لها بما علمت.
فالحذر الحذر والجد الجد، فإنه " لا ينبئك مثل خبير " (5) إن من عزائم الله في الذكر الحكيم التي لها يرضى ولها يسخط ولها يثيب وعليها يعاقب أنه ليس بمؤمن وإن حسن قوله وزين وصفه وفضله غيره إذا خرج من الدنيا فلقى الله بخصلة من هذه الخصال لم يتب منها: الشرك بالله فيما افترض عليه من عبادته، أو شفاء غيظ بهلاك نفسه أو يقر بعمل فعمل بغيره، أو يستنجح حاجة إلى الناس (6) بإظهار بدعة في دينه أو سره أن يحمده الناس بما لم يفعل من خير، أو مشى في الناس بوجهين ولسانين والتجبر و الأبهة. واعلم [واعقل ذلك ف] إن المثل دليل على شبهه إن البهائم همها بطونها وإن السباع همها التعدي والظلم وإن النساء همهن زينة الدنيا والفساد فيها وإن المؤمنين مشفقون مستكينون خائفون.