أوليس يجب على هذا السبب إما أن يكون المالك للعبد قادرا يأمر عبده باتباع أمره ونهيه على إرادته لا على إرادة العبد ويملكه من الطاقة بقدر ما يأمره به وينهاه عنه، فإذا أمره بأمر ونهاه عن نهي عرفه الثواب والعقاب عليهما. وحذره ورغبه بصفة ثوابه وعقابه ليعرف العبد قدرة مولاة بما ملكه من الطاقة (1) لامره ونهيه وترغيبه وترهيبه، فيكون عدله وإنصافه شاملا له وحجته واضحة عليه للاعذار والانذار. فإذا اتبع العبد أمر مولاه جازاه وإذا لم يزدجر عن نهيه عاقبه أو يكون عاجزا غير قادر ففوض أمر إليه أحسن أم أساء أطاع أم عصى، عاجز عن عقوبته ورده إلى اتباع أمره.
وفي إثبات العجز نفي القدرة والتأله وإبطال الأمر والنهي والثواب والعقاب ومخالفة الكتاب إذ يقول: " ولا يرضى لعباده الكفر وإن تشكروا يرضه لكم (2) " وقوله عز وجل:
" اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون (3) " وقوله: " وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون * ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون (4) " وقوله: " اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا (5) " وقوله: " وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول ولا تولوا عنه وأنتم تسمعون (6) ".
فمن زعم أن الله تعالى فوض أمره ونهيه إلى عباده فقد أثبت عليه العجز وأوجب عليه قبول كل ما عملوا من خير وشر وأبطل أمر الله ونهيه ووعده ووعيده، لعلة ما زعم أن الله فوضها إليه لان المفوض إليه يعمل بمشيئته، فإن شاء الكفر أو الايمان كان غير مردود عليه ولا محظور، فمن دان بالتفويض على هذا المعنى فقد أبطل جميع ما ذكرنا من وعده ووعيده وأمره ونهيه وهو من أهل هذه الآية " أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون