اختبرهم؟ قلنا: بلى، قد علم ما يكون منهم قبل كونه وذلك قوله. " ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه (1) " وإنما اختبرهم ليعلمهم عدله ولا يعذبهم إلا بحجة بعد الفعل، وقد أخبر بقوله: " ولو أنا أهلكناهم بعذاب من قبله لقالوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا (2) " وقوله: " وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا (3) ". وقوله: " رسلا مبشرين ومنذرين (4) ". فالاختبار من الله بالاستطاعة التي ملكها عبده وهو القول بين الجبر والتفويض. وبهذا نطق القرآن وجرت الاخبار عن الأئمة من آل الرسول صلى الله عليه وآله.
فإن قالوا: ما الحجة في قول الله: " يهدي من يشاء ويضل من يشاء " وما أشبهها؟
قيل: مجاز هذه الآيات كلها على معنيين: أما أحدهما فإخبار عن قدرته أي إنه قادر على هداية من يشاء وضلال من يشاء وإذا أجبرهم بقدرته على أحدهما لم يجب لهم ثواب ولا عليهم عقاب على نحو ما شرحنا في الكتاب، والمعنى الآخر أن الهداية منه تعريفه كقوله: " وأما ثمود فهديناهم " أي عرفناهم " فاستحبوا العمى على الهدى (5) " فلو أجبرهم على الهدى لم يقدروا أن يضلوا، وليس كلما وردت آية مشتبهة كانت الآية حجة على محكم الآيات اللواتي أمرنا بالأخذ بها، من ذلك قوله: " منه آيات محكمات هن أم الكتاب واخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم - الآية (6) - " وقال: " فبشر عباد * الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه " أي أحكمه وأشرحه " أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب (7) ".
وفقنا الله وإياكم إلى القول والعمل لما يحب ويرضى وجنبنا وإياكم معاصيه بمنه وفضله والحمد لله كثيرا كما هو أهله وصلى الله على محمد وآله الطيبين وحسبنا الله ونعم الوكيل.