يطيقون، فإذا أحسن حمد الله وإذا أساء استغفر الله فهذا مسلم بالغ، فأخبر عليه السلام أن من تقلد الجبر والتفويض ودان بهما فهو على خلاف الحق. فقد شرحت الجبر الذي من دان به يلزمه الخطأ، وأن الذي يتقلد التفويض يلزمه الباطل، فصارت المنزلة بين المنزلتين بينهما.
ثم قال عليه السلام: وأضرب لكل باب من هذه الأبواب مثلا يقرب المعنى للطالب ويسهل له البحث عن شرحه، تشهد به محكمات آيات الكتاب وتحقق تصديقه عند ذوي الألباب وبالله التوفيق والعصمة.
فأما الجبر الذي يلزم من دان به الخطأ فهو قول من زعم أن الله جل وعز أجبر العباد على المعاصي وعاقبهم عليها. ومن قال بهذا القول فقد ظلم الله في حكمه وكذبه ورد عليه قوله: " ولا يظلم ربك أحدا (1) ". وقوله: " ذلك بما قدمت يداك وأن الله ليس بظلام للعبيد (2) ". وقوله: " إن الله لا يظلم الناس شيئا ولكن الناس أنفسهم يظلمون (3) ".
مع آي كثيرة في ذكر هذا. فمن زعم أنه مجبر على المعاصي فقد أحال بذنبه على الله و قد ظلمه في عقوبته. ومن ظلم الله فقد كذب كتابه. ومن كذب كتابه فقد لزمه الكفر باجتماع الأمة. ومثل ذلك مثل رجل ملك عبدا مملوكا لا يملك نفسه ولا يملك عرضا من عرض الدنيا ويعلم مولاه ذلك منه فأمره على علم منه بالمصير إلى السوق لحاجة يأتيه بها ولم يملكه ثمن ما يأتيه به من حاجته وعلم المالك أن على الحاجة رقيبا لا يطمع أحد في أخذها منه إلا بما يرضى به من الثمن، وقد وصف مالك هذا العبد نفسه بالعدل والنصفة وإظهار الحكمة ونفي الجور وأوعد عبده إن لم يأته بحاجته أن يعاقبه على علم منه بالرقيب الذي على حاجته أنه سيمنعه، وعلم أن المملوك لا يملك ثمنها ولم يملكه ذلك، فلما صار العبد إلى السوق وجاء ليأخذ حاجته التي بعثه المولى لها وجد عليها مانعا يمنع منها إلا بشراء وليس يملك العبد ثمنها، فانصرف إلى مولاه