يقبض نبيه صلى الله عليه وآله حتى أكمل له الدين وأنزل عليه القرآن فيه تبيان كل شئ وبين فيه الحلال والحرام والحدود والأحكام وجميع ما يحتاج إليه الناس كملا، فقال: " ما فرطنا في الكتاب من شئ (1) ". وأنزل عليه في حجة الوداع وهي آخر عمره صلى الله عليه وآله " اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا (2) ". وأمر الإمامة من كمال الدين. ولم يمض صلى الله عليه وآله حتى بين لامته معالم دينه وأوضح لهم سبلهم وتركهم على قصد الحق، وأقام لهم عليا عليه السلام علما وإماما، وما ترك شيئا مما تحتاج إليه الأمة إلا وقد بينه. فمن زعم أن الله لم يكمل دينه فقد رد كتاب الله، ومن رد كتاب الله فقد كفر. هل يعرفون قدر الإمامة ومحلها من الأمة، فيجوز فيها اختيارهم (3).
إن الإمامة خص الله بها إبراهيم الخليل عليه السلام بعد النبوة والخلة مرتبة ثالثة وفضيلة شرفه بها وأشاد بها ذكره (4)، فقال عز وجل: وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما "، قال الخليل سرورا بها: " ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين (5) ". فأبطلت هذه الآية إمامة كل ظالم إلى يوم القيامة وصارت في الصفوة. ثم أكرمها الله بأن جعلها في ذرية أهل الصفوة والطهارة، فقال: " ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلة وكلا جعلنا صالحين * وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين (6) ". فلم تزل ترثها ذريته عليه السلام بعض عن بعض قرنا فقرنا حتى ورثها النبي صلى الله عليه وآله، فقال الله: " إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا (7) " فكانت لهم خاصة