خرج الثفل من بطنه (1) ولولا الروح لا جاء ولا ذهب. ولولا برد الماء لأحرقته نار المعدة.
ولولا النور ما أبصر ولا عقل. والطين صورته. والعظم في جسده بمنزلة الشجر في الأرض.
والشعر في جسده بمنزلة الحشيش في الأرض. والعصب في جسده بمنزلة اللحاء على الشجر (2). والدم في جسده بمنزلة الماء في الأرض. ولا قوام للأرض إلا بالماء ولا قوام لجسد الانسان إلا بالدم. والمخ دسم الدم وزبده.
فهكذا الانسان خلق من شأن الدنيا وشأن الآخرة فإذا جمع الله بينهما صارت حياته في الأرض، لأنه نزل من شأن السماء إلى الدنيا، فإذا فرق الله بينهما صارت تلك الفرقة الموت يرد شأن الآخرة إلى السماء. فالحياة في الأرض والموت في السماء وذلك أنه يفرق بين الروح والجسد، فردت الروح والنور إلى القدرة الأولى وترك الجسد لأنه من شأن الدنيا. وإنما فسد الجسد في الدنيا لان الريح تنشف الماء (3) فيبس الطين فيصير رفاتا ويبلى ويرد كل إلى جوهره الأول وتحركت الروح بالنفس والنفس حركتها من الريح، فما كان من نفس المؤمن فهو نور مؤيد بالعقل. وما كان من نفس الكافر فهو نار مؤيد بالنكراء (4)، فهذا من صورة ناره وهذا من صورة نوره والموت رحمة من الله لعبده المؤمن ونقمة على الكافر.
ولله عقوبتان إحداهما من الروح والأخرى تسليط الناس بعض على بعض، فما كان من قبل الروح فهو السقم والفقر. وما كان من تسليط فهو النقمة وذلك قول الله عز وجل:
" وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون (5) " من الذنوب. فما كان من ذنب الروح فعقوبته بذلك السقم والفقر. وما كان من تسليط فهو النقمة. وكل ذلك